أطلقت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة النطاق في مخيم جنين، أحد أبرز رموز ومعاقل المقاومة الفلسطينية، والذي بات منذ الانتفاضة الثانية يمثّل أيقونة للصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
وبينما تُبرر السلطة هذه الحملة التي شملت حصاراً مطبقاً للمخيم وقطع للكهرباء، بأنها "ضرورة لضبط الأمن والخارجين عن القانون"، يراها فلسطينيون وسكان المخيم بأنها خطوة مدفوعة بضغوط إسرائيلية وأمريكية لتقويض بؤر المقاومة بالضفة المتصاعدة منذ سنوات.
ويرى محللون سياسيون ومصدر مطلع، بأن السلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقراً لها تمر بمرحلة حاسمة بعد أن قررت الوقوف إلى جانب (إسرائيل) ضد شعبها، في حملتها الأمنية ضد المقاومين في مخيمات الضفة الغربية.
كما أكدوا في أحاديث منفصلة لـ "ميدل ايست آي"، أن السلطة الفلسطينية برام الله دخلت معركة خاسرة مع حملتها القمعية في جنين، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى سقوطها.
وقال مسؤول كبير في فتح للموقع البريطاني، إن الحملة المستمرة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة المناهضة للاحتلال في مدينة شمال الضفة الغربية المحتلة، والتي ارتقى فيها ما لا يقل عن 16 فلسطينيًا حتى الآن، محكوم عليها بالفشل بغض النظر عن النتيجة.
وأوضح - الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته - أن السلطة الفلسطينية تعرضت لضغوط للتخلي عن التوازن بين خدمة احتياجات "إسرائيل" الأمنية والحفاظ على الشرعية بين الشعب الفلسطيني.
وقال إنهم من خلال مهاجمة جنين، "تخلوا فعليًا عن حيادهم السلبي" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية واختاروا الوقوف إلى جانب الإسرائيليين، مقابل الحفاظ على السلطة.
وأضاف: "إذا نجحت السلطة في جنين فإنها ستفقد مبرر وجودها بين الفلسطينيين، وإذا فشلت ستفقد مبرر وجودها بالنسبة لإسرائيل"، مردفًا: "وهكذا خسرت المعركة على الجبهتين”.
وبدأت الحملة الأمنية للسلطة في الفلسطينية في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، بتنسيق وإشراف كامل مع الجنرال الأمريكي مايكل فينزل، الذي يشغل منصب منسق الأمن الأمريكي في الأراضي الفلسطينية.
وبحسب مصادر سياسية وأمنية، فإن هذه الحملة تأتي استكمالاً لتوصيات اجتماع العقبة في فبراير/شباط 2023، والذي حضره ممثلون عن "إسرائيل"، والسلطة الفلسطينية، والولايات المتحدة والأردن، بهدف احتواء عمليات المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية.
وقتلت قوات السلطة الفلسطينية ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين من سكان مخيم جنين منذ إطلاق العملية، من بينهم أب وابنه في الأسبوع الماضي. كما قُتل ما لا يقل عن ستة من أفراد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك بعضهم أثناء تبادل إطلاق النار مع مقاومين بالمخيمات الشمالية بالضفة الغربية.
وتقول السلطة الفلسطينية إن الحملة ضد “الخارجين عن القانون” وتهدف إلى استعادة “القانون والنظام”. فيما ويرفض المقاومون للاحتلال التسميات المستخدمة ضدهم، معتبرين أن قتالهم ضد "إسرائيل" مشروع.
سابقة خطيرة
وعلى الرغم من الإبلاغ عن اشتباكات متقطعة، فقد ذكرت فصائل المقاومة للاحتلال مرارا وتكرارا أنها تتجنب المعارك المباشرة مع السلطة الفلسطينية، ومع ذلك، أصدرت كتائب القسام وشهداء الأقصى، الاثنين، أن صبرها "ينفد".
ويرجع ذلك إلى، أن السلطة الفلسطينية دفعت الناس إلى منطقة جديدة من خلال جعل من المقبول للفلسطينيين أن يقتلوا بعضهم البعض، حسبما قال ناشط سياسي مقيم في نابلس لموقع ميدل إيست آي.
ووصف الناشط، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفًا من ملاحقة السلطة الفلسطينية، ذلك بأنه “سابقة خطيرة” وضعتها السلطة الفلسطينية.
وأوضح: “في الماضي، كان لدينا انقسام سياسي، لكن كان من غير المقبول على الإطلاق أن يقتل فلسطيني فلسطينيًا آخر”. مضيفًا: “لكن الآن، تم إضفاء الشرعية على سفك الدم الفلسطيني، وستكون لذلك عواقب وخيمة في المستقبل”.
وأضاف: أن السلطة الفلسطينية، من خلال قتل مواطنيها الفلسطينيين، تظهر أيضًا للجمهور أنها تتعاون مع الاحتلال، مما يؤدي هذا إلى زيادة الإحباط العام تجاه السلطة الفلسطينية، التي شهدت تراجع شعبيتها في السنوات الأخيرة.
وأشار الناشط في ختام حديثه إلى أنه وإلى جانب الغضب إزاء الحملة الوحشية ضد منتقدي حملة جنين، فإن الفلسطينيين سيصلون في نهاية المطاف إلى نقطة الانهيار، متابعًا: "أعتقد أن الناس في الضفة الغربية على وشك الانفجار”.
بداية النهاية
الهدف الرئيسي للسلطة الفلسطينية من هذه الحملة هو أن تثبت لإسرائيل والولايات المتحدة أنها تستطيع السيطرة على غزة بعد الحرب، كما يعتقد جمال جمعة، الناشط المناهض للاستيطان.
في الشهر الماضي، أفاد موقع أكسيوس أن الهجوم يعتبر حاسما لمستقبل السلطة الفلسطينية، مع حرص الرئيس محمود عباس على إرسال رسالة إلى الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب مفادها أنه قادر على إدارة الشؤون الفلسطينية.
وحتى الآن، رحبت السلطات الإسرائيلية أيضًا بحملة القمع التي شنتها السلطة الفلسطينية، حيث ذكرت قناة “كان” الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي شجع الهجوم.
ونقل موقع كان عن مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي قوله إن الجيش الإسرائيلي أجرى "مشاورات مع كبار المسؤولين الفلسطينيين من أجل تحسين النشاط في مخيم اللاجئين".
وقال جمال جمعة، الناشط المناهض للاستيطان.لـ "ميدل إيست آي": “لقد تم كل ذلك تحت ضغط الولايات المتحدة وإسرائيل، ولقد تم دفع السلطة الفلسطينية إلى الزاوية. إذا كنت تريد أن تلعب أي دور في غزة بعد الحرب، نريد أن نرى ما يمكنك القيام به أولاً في الضفة الغربية”.
لكن بحسب مصدر فتح فإن هذا خطأ لأن العملية مرجحة للفشل "لسبب بسيط وهو أن الاحتلال سيولد دائما مقاومة”.
وأوضح جمعة، في معرض حديثه، أن "الإسرائيليين قتلوا نحو 350 فلسطينيًا في جنين خلال العامين الماضيين، وكل يوم يظهر مقاتلون جدد"، ولذلك فهو لا يعتقد أن الوضع سيستمر على ما هو عليه في جنين، حيث من المتوقع أن تفشل العملية وتفقد السلطة الفلسطينية شرعيتها.
وخلص إلى القول: "هذه بداية النهاية للسلطة الفلسطينية".