بحثت أحلام دون جدوى منذ أشهر عن أدوية وعلاجات فعالة في صيدليات جنوب غزة، لوضع حد لمعاناتها مع متاعب القولون العصبي، وما يخلفه من إمساك مزمن، قبل أن تجد ضالتها لدى أحد الأطباء المتخصصين في التداوي بالأعشاب.
تقول أحلام، النازحة من بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة إلى منطقة المواصي في خانيونس جنوباً: إن جميع العاملين في الصيدليات التي توجهت إليها نصحوها بالكف عن البحث للعثور العلاج الموصوف، لأنها لن تجده في ظل منع الاحتلال إدخال الكثير من الأدوية منذ بداية العدوان على القطاع قبل أكثر من عام.
وتشير في حديثها لـ"فلسطين أون لاين" إلى أن إحدى قريباتها نصحتها باللجوء إلى الأعشاب العلاجية، لعلها تخفف من معاناتها، وهو ما كان، إذ تحسنت حالتها بشكل ملحوظ.
حالة أحلام تكررت مع الآلاف من سكان غزة الذين وجدوا في التداوي بالأعشاب حلًّا لمشاكلهم الصحية، نظراً لعدم توفر الأدوية، وقد ازداد الاعتماد على هذه العلاجات الشعبية في الآونة الأخيرة من دخول فصل الشتاء وما يحمله من أمراض.
علاج فعال
عامر أحد هؤلاء المواطنين، إذ يقول إنه كان يتناول قبل الحرب أحد الأدوية بشكل منتظم لعلاج التهابات مزمنة يعانيها، لكنها غابت تماماً عن رفوف ما تبقى من صيدليات في غزة، فلم يجد بُدّاً سوى اللجوء إلى الأعشاب.
ويضيف عامر الذي نزح من مدينة رفح إلى دير البلح وسط القطاع: "في بدايات الحرب كنت أعثر بصعوبة على الدواء الذي أحتاجه بأسعار باهظة، لكن مع مرور الوقت لم يعد متوفراً فازدادت معاناتي من الالتهابات، وكان الحل الوحيد هو اللجوء إلى أحد الأطباء المتخصصين في الأعشاب جنوب قطاع غزة".
ساهمت الوصفة التي قدمها الطبيب للمواطن الأربعيني في التخفيف من آلامه، خصوصاً مع حرصه على تناولها بشكل يومي، فكانت بديلاً جيداً للعلاج السابق.
وتروي مواطنة نازحة في مواصي خان يونس تجربتها في علاج أطفالها من حشرات الرأس، ولا سيما القمل، إذ تعافوا تماماً منها بعد لجوئها إلى أحد الأطباء المتخصصين في العلاجات الشعبية.
تقول تلك السيدة لـ"فلسطين أون لاين": "بسبب تلوث المياه وعدم توفر عوامل النظافة والظروف الصعبة التي نعيشها داخل الخيام، عانى أطفالي من انتشار القمل، ولم نتمكن من العثور على علاج فعال له سوى الأعشاب".
وتضيف: "أحد الأطباء قدم لنا تركيبة مكونة من أعشاب طبيعية، وفي غضون أسبوع واحد من استعمالها اختفى القمل تماماً من أطفالي، وانتهت معاناتهم التي استمرت أشهرًا عدة".
إقبال كثيف
ويؤكد الطبيب المختص في الأعشاب الدكتور ناصر حسنين، أن إقبال المواطنين على العلاجات الشعبية تضاعف بشكل كبير خلال الحرب، وقد أثبتت بعض الوصفات نجاعتها، وساهمت في التخفيف من معاناة الكبار والصغار على حد سواء.
ويقول الدكتور حسنين لـ"فلسطين أون لاين": "لاحظنا مع حلول فصل الشتاء زيادة سعي المواطنين إلى التداوي بالأعشاب، نظراً لشح الأدوية في الصيدليات، وكذلك انتشار أمراض موسمية مرتبطة بهذا الفصل، خصوصاً الإنفلونزا والسعال وغيرهما".
يشير الدكتور ناصر حسنين إلى أن الأعشاب العلاجية أثبتت فعاليتها كالعادة في أغلب الأمراض السائدة في هذه الظروف، لافتاً إلى أن معظم المراجعات مرتبطة بأمراض معينة، على غرار الحكة والجرب وانتشار الحشرات، ولا سيما القمل والسعال والإنفلونزا وأمراض الجهاز الهضمي".
اللافت بحسب حديث الدكتور حسنين الذي كان يدير مركز رفح للأعشاب الطبية قبل نزوحه إلى منطقة المواصي، أن مشاكل القولون العصبي زادت بشكل كبير خلال الحرب بين المواطنين.
وأرجع حسنين ذلك إلى الضغوط النفسية والعصبية والتوتر الشديد الذي يعانيه جميع أهالي القطاع، في ظل حرب الإبادة المستمرة منذ 15 شهراً، وتدهور الواقع المعيشي للمواطنين داخل الخيام في ظروف غير آدمية.
أعشاب مفقودة
ورغم أن التداوي بالأعشاب كان خياراً بديلاً للمواطنين في ظروف الحرب، إلا أن الكثير من تلك الأعشاب باتت شحيحة، كون بعضها كان يتم استيراده من الخارج، والبعض الآخر لا تتوفر منه كميات كافية بفعل الإقبال الكبير عليها.
كما ساهم تدمير الاحتلال لمعظم المناطق الزراعية في قطاع غزة، وقطع أوصاله، في صعوبة الحصول على بعض أنواع الأعشاب التي تلزم لتجهيز الوصفات الطبية.
ويعاني الأطباء المتخصصين في العلاج الشعبي صعوبات بالغة في الحصول على بعض النباتات التي تلزمهم، ويخاطر بعضهم بأرواحهم في سبيل ذلك.
الحل كما يقول الدكتور ناصر حسنين لـ"فلسطين أون لاين" كان في الاجتهاد ومحاولة إيجاد بدائل مناسبة لأي عشبة مفقودة، أو اللجوء إلى أنواع أخرى تؤدي نفس الغرض، وإن بنسبة أقل.
الأعشاب لا تغني عن الأدوية
بالنسبة لحسنين فإن التداوي بالأعشاب لا يغني عن الأدوية في كثير من الحالات، كما أن بعض الأمراض لا يمكن معالجتها بالطرق الشعبية البديلة.
ويقول في هذا الصدد: "ينبغي على المؤسسات الدولية والحقوقية التدخل وإرغام الاحتلال على السماح بإدخال جميع أنواع الأدوية إلى غزة، والكف عن محاربة المواطنين في دوائهم بعدما أمعن في فعل ذلك منذ أشهر، متسبباً في معاناة لا تطاق لمئات الآلاف من الغزيين، دون أن تجد صرخاتهم واستغاثتهم آذانًا صاغية".