فلسطين أون لاين

تقرير الغلاء يفاقم معاناةً الغزيين وأسعار السِّلع تصل أرقام قياسيَّة

...
الغلاء يفاقم معاناةً الغزيين وأسعار السِّلع تصل أرقام قياسيَّة
الوسطى- محمد الأيوبي

تسود حالة من الغلاء الجنوني في أسعار مختلف أنواع السلع الأساسية والمنتجات الغذائية في قطاع غزة، جراء الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر منذ بدء العدوان على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2023.

ويعاني المواطنين من نقص حاد في مختلف السلع الأساسية جراء سياسة إسرائيلية ممنهجة في إدخال البضائع إلى قطاع غزة ما فاقم معاناتهم اليومية وألقى بظلال سلبية على عائلاتهم التي تواجه ويلات الحرب الإسرائيلية التي دخلت عامها الثاني.

وكشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مطلع الشهر الجاري، عن ارتفاع حاد في مؤشر غلاء المعيشة في قطاع غزة بنسبة تصل إلى 300%، مما يعكس حجم الأزمة المتفاقمة التي يعاني منها المواطنون في القطاع.

الغلاء وصل كل شيء

في سوق دير البلح وسط قطاع غزة، عبّر النازح أبو محمد العماوي عن استيائه من ارتفاع أسعار المواد التموينية والملابس والأحذية، مشيرًا إلى أن التجار يرفعون الأسعار دون مبرر مع تجاهل واضح لمعاناة النازحين، الذين يفتقرون لمصادر الدخل

وأضاف العماوي لـ"فلسطين أون لاين"، أنه بات عاجزًا عن تلبية احتياجات أسرته اليومية، إذ استنزفت الحرب كافة مدخراته، موضحًا أن الغلاء وصل إلى جميع المنتجات حتى الأساسية منها، في حين يزداد الوضع سوءًا مع اقتراب فصل الشتاء وحاجته لشراء ملابس شتوية لأطفاله وترميم خيمته.

أما النازحة أم علي الحلو (42 عامًا) فقد اكتفت بسؤال أحد باعة الخضار في سوق دير البلح، عن سعر البندورة، قبل أن تواصل طريقها، بسبب سعرها الباهظ.

وتقول الحلو لـ"فلسطين أون لاين": "إنّ سعر كيلو البندورة والبصل وصل إلى حوالي 40 شيكلًا، والخضروات عمومًا أسعارها مرتفعة للغاية، والفواكه غير متوفرة، وما توفر منها لا يستطيع معظم الأهالي شرائها.

وأشارت إلى أن ذهابها إلى السوق أصبح غالبًا لمعرفة الأسعار، فظروف النزوح لم تُبقِ في جيوبنا سوى القليل من المدخرات التي جمعتها في السنوات الماضية، مناشدةً الجهات المختصة بضرورة التدخل العاجل لوضع حد لهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار.

غير بعيد، كان الشاب الثلاثيني أحمد الخضري دخل في نقاش مع أحد الباعة حول سعر عبوة حليب أطفال، والتي كان يشتريها بعشرة شواكل وارتفعت إلى 50 شيكلًا حاليًا.

وقال الخضري، الذي فقد عمله في أحد مطاعم غزة، لـ"فلسطين أون لاين"، إن الغلاء وصل كل شيء، وأن حياته اليومية باتت تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية الشحيحة المقدمة من المؤسسات الخيرية.

في الإطار ذاته، يقول بائع الخضار أبو العبد المصري، إنه يجد صعوبة بالغة في توفير الخضار نظراً للشح الكبير فيها بسبب إغلاق المعابر، كما يفاجئ طوال الوقت بارتفاع الأسعار المتواصل من المصدر.

ولفت المصري لـ"فلسطين أون لاين"، إلى أن عدم استقرار الأسعار وحالة عدم الانضباط فيها يزيدان من صعوبة عملية البيع على بسطته التي باتت مصدر دخله الوحيد بعد تدمير بيته وبقالته.

أما أبو يونس العطار، وهو بائع زيت زيتون، فقد أرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى "جشع التجار" وقلة المعروض في الأسواق بسبب تدمير الاحتلال للأراضي الزراعية.

وأشار العطار النازح من بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، إلى أن سعر لتر زيت الزيتون بلغ 60 شيكلًا هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الزيتون الناجم عن تدمير قوات الاحتلال للأراضي الزراعية، حيث وصل سعر "تنكة" الزيت إلى ألف شيكل.

 وبحسب أرقام البنك الدولي، يعيش ما يقرب من 100% من سكان غزة في الفقر. ووفق تقريره: "يصف الفقر متعدد الأبعاد في غزة وضعًا محزنًا للغاية، يؤثر في رفاهية الناس وصحتهم العقلية، ومن المتوقع أن تستمر التأثيرات في المستقبل". يترافق ذلك، مع ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، مما دفع ما يقرب من مليوني شخص إلى حافة المجاعة.

خطة ممنهجة

من جهته، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أن (إسرائيل) تنفذ خطة ممنهجة منذ بداية الحرب على قطاع غزة، لا تقتصر على استهداف المدنيين وتدمير الممتلكات، بل تمتد إلى خلق ضغوط اقتصادية عبر التحكم بالسلع الأساسية وأسعارها

وأوضح أبو قمر في حديث لـ "فلسطين أون لاين"، أن إغلاق معابر قطاع غزة، منذ بداية الحرب أدى إلى نقص حاد في السلع، فضلاً عن ظاهرة الاحتكار التي يمارسها بعض التجار.

وقال: "إن (إسرائيل) أعادت فتح معابر جنوب القطاع تحت ضغط دولي، ولكن مع تقييد حركة البضائع وحصرها على خمسة تجار فقط، ما حدّ من المنافسة في السوق وأتاح لهؤلاء التجار تحديد نوع وكميات السلع الداخلة للقطاع".

وذكر أن عدد الشاحنات المسموح لها بالدخول إلى غزة انخفض بشكل كبير، حيث لم يتجاوز 10% من عدد الشاحنات التي كانت تدخل قبل الحرب، إذ وصل العدد قبل الحرب إلى نحو 350 شاحنة يوميًا، بينما انخفض إلى ما بين 20 و25 شاحنة يوميًا في الوقت الحالي باستثناء يومي الجمعة والسبت، فيما لم يدخل أي بضائع إلى القطاع منذ نحو شهر بحجة الأعياد اليهودية.

وأشار الباحث الاقتصادي إلى التداعيات الأمنية التي فرضتها (إسرائيل) على الحياة في غزة، مما أدى إلى رفع تكلفة نقل السلع بسبب الحاجة للتأمين ضد السرقات وأعمال النهب، الأمر الذي انعكس على أسعار السلع النهائية التي يتحملها المستهلك.  

ودعا أبو قمر إلى عودة السوق الحرة في غزة بحيث يتم إدخال السلع الأساسية دون قيود أو احتكار من قبل قلة من التجار، مع تعزيز الأمن لتقليل تكاليف التأمين للبضائع والحفاظ على استقرار الأسعار.

وشدد على أهمية التركيز على إدخال السلع الأساسية، مثل الطحين والحليب وغيرها، بدلاً من الكماليات، لضمان توفر الاحتياجات الأساسية بأسعار مناسبة للمواطنين، لافتًا إلى أنه عندما يتم إدخال كميات كافية من السلع ستنخفض الأسعار تلقائيًا، وإذا كانت الكميات شحيحة ستكون الأسعار مرتفعة

وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق في القطاع، حيث ارتفعت الأسعار بشكل يفوق القدرة الشرائية للمواطنين، بينما ظلت الرواتب ثابتة، مما أدى إلى استنزاف ما في جيوب المواطنين، خاصة ان المواطنين صرفوا مدخراتهم خلال فترة الحرب.

وأضاف أن سياسة "الإغراق" التي انتهجتها (إسرائيل) بإدخال سلع غير ضرورية بكميات كبيرة وندرة السلع الأساسية، تهدف إلى زيادة معاناة المواطنين ومفاقمة الأزمات بحيث تجعلهم لا يجدون السلع التي يحتاجون في الأسواق وإن وجد تكون بسعر مرتفع جداً ضمن سياسة العرض والطلب.

وحسب أبو قمر، فإن وفق مؤشر المعيشة من كان رابته 1500 شيكل قبل الحرب هو بحاجة اليوم إلى 4500 شيكل لشراء نفس السلع، مشيرًا إلى أسعار بعض السلع الأساسية تضاعفت أكثر من ثلاث مرات، بينما ارتفعت أسعار بعض السلع الأخرى بشكل أكبر بكثير.