على سرير الغسيل الكلوي في مجمع الشفاء الطبي، يتمدد عزيز خضر (60 عامًا) متصلاً بأنابيب صغيرة تُدخل في وريد ذراعه، في جلسة غسيل تستمر لثلاث ساعات.
صوت صافرات الجهاز يعلو، لكن يبدو أن "خضر" شارد الذهن بعيد عن الواقع، مشغولاً بالتفكير في الكارثة التي حلت بعائلته بعدما دمرت صواريخ الاحتلال منزلهم في مخيم جباليا، مما أسفر عن استشهاد شقيقه و12 فردًا من عائلته.
يقول شادي خضر، الذي يرافق والده، في هذه الرحلة المأساوية: "نزحنا من جباليا إلى غزة، بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع، وتهجير سكانها عنوة بعد أن انهالت علينا صواريخ الاحتلال، والآن يعاني والدي من الفشل الكلوي بسبب استنشاقه للغازات السامة التي انبعثت من تلك الصواريخ".
ويستذكر "شادي" لحظات الرعب التي عاشوها في نهاية حزيران الماضي، حين قصفت طائرات الاحتلال منزلهم المكون من خمس طبقات، بصاروخ تدميري، وبقي أفراد العائلة تحت الركام لمدة ساعتين قبل أن يتم انتشالهم.
ويضيف: بعد تلك الحادثة، بدأت تظهر أعراض الفشل الكلوي على والدي، حيث بدأ يشتكى من انتفاخ في البطن وصعوبة في التبول، وبعد إجراء عدة فحوصات طبية، تأكدت الإصابة التي لا مفر منها بالفشل الكلوي بسبب صواريخ الاحتلال.
رائحة البارود
وعلى مقربة من خضر، يتكئ علي أبو طبيخ (67 عامًا) الذي نزح تسع مرات من منزله في مخيم جباليا، وقد فقد منزله.
ويقول أبو طبيخ: "منذ أربعة أشهر، اكتشفت إصابتي بالفشل الكلوي بسبب القنابل ورائحة البارود والأدخنة السامة الناجمة من صواريخ الاحتلال التي يلقيها على المدنيين في قطاع غزة وخاصة في جباليا".
وبصعوبة يكمل أبو طبيخ: "كنا نجرى عمليات الغسيل في مستشفى كمال عدوان بواقع ثلاث مرات في الأسبوع بواقع أربعة ساعات للجلسة الواحدة، لكن وحشية الاحتلال واستهداف المدنيين وتدمير المنازل والمستشفيات أجبرتني على النزوح إلى مدينة غزة، لأجراء الغسيل الكلوي بمجمع الشفاء الطبي الذي دمره الاحتلال، واعيد ترميم أقسام بسيطة منه.
ويجرى أبو طبيخ، عملية الغسيل الكلوي، مرتين في الأسبوع بدلاً من ثلاث؛ بسبب نقص الكهرباء والوقود وتعطل العديد من الأجهزة وحاجة مرضى أخرين للجهاز ليبقيهم على قيد الحياة.
ويشتكي "علي" الذي يعيش في خيمة في أحد مراكز الإيواء، من ضعف شديد في الرؤية، ويعبر عن إحباطه بسبب صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية وخاصة داخل مجمع الشفاء الذي حول جيش الاحتلال ساحاته إلى كثبان رملية وركام متناثر في المكان.
فيما يلفظ ربحى موسى (73 عاماً) أنفاسه بصعوبة خلال جلسة الغسيل، ويتحدث لـ"فلسطين أون لاين" عن معاناته المستمرة، قائلًا: "أنا مريض كلى منذ خمس سنوات، وكنت أغسل ثلاث مرات أسبوعيًا، لكن الآن، بسبب الحرب، أصبحت أغسل مرتين فقط في الأسبوع، وبساعات أقل".
ويشير موسى، إلى صعوبة التنقل، وارتفاع أسعار المواصلات، وتدمير المستشفيات، مما يزيد من معاناتهم، إلى جانب سوء وشح الطعام المتوفر في مدينة غزة وشمالها، "نحن نعتمد على المعلبات التي تنهك أجسادنا، فما نعاني منه يعجز عن الوصف".
وناشد أحرار وشرفاء العالم للوقوف إلى جانب قطاع غزة، ووقف حرب الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال على مسمع ومرئ العالم أجمع، وحماية مرضة غزة من الموت بفعل الحرب ونقص الأدوية.
معاناة مستمرة
من جهته، يوضح حكيم قسم الكلى الصناعية بمجمع الشفاء الطبي، حاتم أبو ريال، أن عدد المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي في مدينة غزة، والنازحين من شمال القطاع، يصل إلى 67 مريضًا، فيما يستقبل القسم 27 حالة يومياً، مردفًا: لكن شح الوقود يؤثر على سير العمل.
ويضيف أبو ريالة لمراسل "فلسطين أون لاين": " أن القنابل التي تلقيها قوات الاحتلال على المدنيين، تؤدي إلى تفشي العديد من الأمراض، منها الفشل الكلوي والإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى تلوث الهواء والمياه ونقصها.
ويؤكد أن المرضى يعانون من صعوبة الحركة والتنقل، وارتفاع تكاليف المواصلات، بالإضافة إلى نقص الغذاء والدواء.
وتواصل حكومة الاحتلال للعام الثاني على التوالي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، متجاهلة كافة حقوق الغزيين خاصة حقوق المرضى وتلقيهم الخدمات الصحية بأمان.