فلسطين أون لاين

جيشٌ يحكي انتفاشًا صولة النصر..

جيش الاحتلال و"الدَّعاية".. حين طغت العنتريَّة على الإستراتيجيَّة المهنية

...
ما حاجة الجيش "الخارق" لدعاية رخيصة؟!
الكاتب/ طه عبد العزيز

المتتبع لسلوك جيش الاحتلال على مدار ١١ شهرًا من القتال متفاوت الوتيرة وذو الزخم الناري الأكبر في التاريخ المعاصر في مواجهة بقعة جغرافية -معزولة عن إمدادات الذخيرة والسلاح طيلة أشهر الحرب وتفتقر للعمق الإستراتيجي- يرى بوضوح لا لبس فيه مستوى الانحدار والتدني الذي وصل إليه هذا الجيش من رئيس أركانه إلى جنوده المنفلتين في الميدان ومعسكرات الاعتقال.

منذ صبيحة السابع من أكتوبر للعام 2023م، يعاني جيش "الدفاع" الذي لا "يقهر" أزمة مع ذاته وهويته، فتارةً يستذكر أصول تشكيلاته الميلاشيوية من عصابات الهاجاناه وتارةً يتصرف بأساليب رعناء على طريقة جيوش دول "العالم الثالث"، وهو الذي بنى سنوات وعقودًا من الأسطرة وتسويق الحداثة في نظم الحرب والقتال.

لقد شكل السابع من أكتوبر بمفهومه العسكري صدمة كبرى هزت أركان هذا الجيش ولعل أخطرها عليه دهس ثلة مقاتلة على شرفه العسكري بالباسطير بالصوت والصورة الـ "HD"، ما دفع جيش الاحتلال لسلوكيات أعادته لنشأته الأولى مرغمًا ومنسلخًا عن أي أدبيات "للجيش الحديث" وتعيده لأصول تشكيلته الميلاشيوية.

ونرصد في هذا المقال عدة نماذج على سبيل المثال لا الحصر من هذه الحوادث التي طغت فيها الحاجة العنترية الشعبوية على الإستراتيجية المهنية:

أولًا/ إظهار السيطرة:

عمد الجيش لتسويق وتظهير سيطرته على مدن القطاع بمبدأ بسيط "التقط صورًا لجندك وآلياتك في أشهر منطقة تظهر كمن حسم القتال فيها" فكانت مستشفى الشفاء وهمًا للسيطرة على قلب مدينة غزة كما كان معبر رفح ودوار النجمة في وسط مدينة رفح مسرحًا لتمثيلية السيطرة هذه، ولا تخلو من زيارات ميدانية خاطفة لأطراف تلك المناطق من قيادات الاحتلال السياسية أو العسكرية.

إلا أن صورة الوهم سرعان ما انهارت وتبددت في كل تقدم جديد لهذه القوات لمناطق دخلت إليها مرات عدة وتعرضت لكمائن قاتلة وفعالة فيها.

ثانيًا/ إستراتيجية الكذب:

لربما تكون إستراتيجية الخداع والحرب النفسية أداة مهنية ومهمة في الحروب لدى الجيوش، إلا أن اعتمادها إستراتيجيًا طيلة أشهر الحرب يوقع الجيش ذاته في فخ "تصديق كذبته" والبناء على الوهم لتحقيق طموحات ومشاريع كرتونية في "اليوم التالي للحرب"، إذ فتح باب إخفاء العدد الحقيقي للقتلى والمصابين إلى حالة تضارب غير مسبوقة في البيانات الرسمية بين مشافي الاحتلال ومؤسساته الأمنية.

ثالثًا/ أهداف غير قابلة للتطبيق:

أربكت الرواية المتغيرة لتطبيق الهدف المعلن الأول للاحتلال في هذه الحرب "القضاء على حماس" -بمفهوم إتمام هدم البنية التنظيمية لكتائبها المقاتلة في الميدان- الجهات المعنية بالرقابة على سلوك الجيش، إذ صرّح "رئيس دارة استخلاص العبر في جيش الاحتلال الجنرال غاي زخوت" في ال ٢٤ من أغسطس من العام الجاري أن "الجيش يغرق في غزة بلا إستراتيجية، فأسلوب إدارة الحرب بعد السابع من أكتوبر أشد فظاعة من فشل تلك الإدارة في منع الهجوم نفسه".

كما عدّ الأخير أن "أسلوب القتال يعتمد نمطية القفز من منطقة إلى أخرى بغض النظر دون أي حسم واضح للصراع في تلك المناطق، ويستدل على ذلك بأن الآلاف من مقاتلي حماس وقادتها لا يزالون يديرون معاركهم بتخطيط مدروس وبمنظومة قيادة وسيطرة".

لم تنته هذه الحرب بعد، وبمجرد انتهائها ستجد "مؤسسة" الجيش نفسها أمام باب كبير من الخطر الداخلي لمحاولة تلافي الأخطاء القاتلة مستقبلًا فهي ملزمة بخيارين لا ثالث لهما أولهما، إجراء استحقاقات تتعلق بإقالة معظم كبار ضباطها وقادة أركانها لمسؤوليتهم عن فشل يوم السابع من أكتوبر، وبالتوازي محاسبة القادة الميدانيين من قادة الفرق والألوية العسكرية على سلوكياتهم خلال القتال في الحرب وهو ما يهدد الشكل البُنيوي للجيش باعتباره يتحلل من "العصب القيادي" الذي أداره لعقود.

أو ستكون المؤسسة ذاتها أمام رؤية أخرى تتجاهل مستويات التدني والرداءة في أساليب عملها ما يفتح عليها مستقبلًا فخ الوقوع في تحديات لا تقل صعوبة عن يوم السابع من أكتوبر!