فلسطين أون لاين

الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في المرحلة الثالثة.. الأهداف والمعوقات

يبدو أنّ الجيش الإسرائيلي قد وصل إلى ما كنا نؤكد عليه من تخبّط كبير؛ لعدم وجود رؤية سياسية أو عسكرية واضحة للتعامل مع اليوم التالي من الحرب، بعد أن توغّل في جميع مناطق قطاع غزة، وفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة التي حدّدها رئيس الوزراء نتنياهو، والتي تضمنت تدمير قدرات حماس العسكرية ونزع سلاحها، بالإضافة إلى إنهاء حكمها السياسي والإداري، وإطلاق سراح الأسرى، وقتل القيادات العسكرية والسياسية أو أسرها.

وقد خاضت القوات الإسرائيلية حملتها العسكرية الدموية ردًّا على "طوفان الأقصى"، حيث شنّ جيش الاحتلال معارك ضارية بقوّات عسكرية برية وقدرات جوية ومدفعية كبيرة، أدّت إلى تدمير البنى التحتية في غزة بشكل كامل، وحوّلتها إلى منطقة غير صالحة للسكن، بعد أن أنهت مقومات الحياة الطبيعية فيها، وقتلت ما يقارب (40) ألف مدني، وجرحت (90) ألفًا آخرين من المدنيين الأبرياء، كما أخرجت عن الخدمة كثيرًا من المستشفيات والمدارس، وأغلب الدوائر الإدارية والإغاثية العاملة في القطاع.

وجميع هذه الجرائم تجري بصمت دولي وعربي مطبق، إن لم نقُل إن هناك تأييدًا واضحًا لما تقوم به إسرائيل، وهذا ما ظهر من خلال المواقف الهزيلة التي تبنّتها دول المنطقة.

المرحلة الأولى من الحرب على غزة:

لقد بدأت المرحلة الأولى من الحرب بقصف جوي ومدفعي انطلق منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، واستمر لمدة عشرين يومًا، ليبدأ بعدها التوغل البري بمناورات عسكرية واسعة، بدأت في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، واستمرّت إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تم التوصل إلى هدنة بين الجانبين لتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع.

استمرّت الهدنة لمدة سبعة أيام، ليعود القتال بعدها ضاريًا مرة أخرى، وذلك في الأول من ديسمبر/ كانون الأول لعام 2023، حيث شهدت هذه الفترة استعراضًا كبيرًا للقوة بين الجانبين؛ تمثل في قصف صاروخي طال مراكز الثقل السياسي والعسكري لكثير من المدن المحتلة، كما شهدت قصفًا وتدميرًا كبيرًا للبنى التحتية في قطاع غزة بكافة مجالات الحياة، وجرت مناورات عسكرية واسعة عنيفة، أدّت إلى استنزاف كبير للقوات الإسرائيلية، وفصائل المقاومة.

المرحلة الثانية من الحرب على غزة:

في الأول من ديسمبر/كانون الأول عام 2023، بدأت المرحلة الثانية من الحرب، وتمّ شن هجوم واسع النطاق وبقوات كبيرة على مدينة خان يونس بقيادة الفرقة (98) بثمانية ألوية قتالية، وكذلك بالهجوم على المنطقة الوسطى بقيادة الفرقة (36) التي تمّ سحبُها وإعادتها بعد فترة وجيزة إلى المنطقة الشمالية؛ بسبب تصاعد المواجهة على الجبهة اللبنانية، واستبدالها بالفرقة (99).

وقد اعتمدت هذه المرحلة على ما تم إنجازه من مكتسبات عسكرية في المرحلة الأولى، حيث استمرّت معركة خان يونس لمدة أربعة أشهر، ثم تمّ الانسحاب من المنطقة الوسطى بعد تفجير المغازي الذي ذهبت أثره أعدادٌ كبيرة من القتلى من سلاح الهندسة التابع للجيش الإسرائيلي.

ويمكن أن نطلق على هذه المرحلة المهمة مرحلة التعادل الإستراتيجي لكلا الطرفين!؛ كونهما لا يزالان يحتفظان بالإمكانات والقدرات التي تمكنهما من إدارة معركة شبه متوازنة على مستويات متعددة؛ ميدانية، وعملياتية، وإستراتيجية؛ على الرغم من الاختلال الكبير في موازين القوى، حيث استمرّت هذه المرحلة الثانية إلى يومنا هذا بالقتال في مدينة رفح.

لقد بدأ الهجوم على مدينة رفح في السادس من مايو/أيار الماضي، ضمن سياق المرحلة الثانية من الحرب على قطاع غزة، ومع قرب انتهاء هذه المعركة في رفح يبدو أن كلا الطرفين قد وصلا إلى مرحلة الإنهاك والاستنزاف؛ بسبب طول مدة المعركة، والخسائر الكبيرة التي أصابت الجانبين طوال أكثر من تسعة أشهر من الحرب الضارية والمتواصلة، خصوصًا أنَّ الجيش الإسرائيلي، بدأ يعاني من نقص كبير في القوة القتالية، وفي المعدّات والآليات والذخائر، وخاصة القوات الآلية والمدرعة، وأقصد الدبابات التي أصابها عطب وتدمير كبير وغير مسبوق في هذه الحرب.

كما أظهرت الحرب ضعف ومحدودية الوسائل التقنية التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في مواجهة المقاومة، بعد أن تداعت منظومة الاستشعار والإنذار المبكر، وفشل منظومة القبّة الحديدية في التصدّي للصواريخ القسامية.

كما أن هذه المرحلة جاءت وسط تزايد التهديدات والمواجهات على جبهة أخرى، مثل الضفة الغربية والجبهة اللبنانية، علمًا بأن ما تم تحقيقه في الحرب على قطاع غزة لا يعدو سوى إنجازات تكتيكية لا قيمة لها على المستوى الإستراتيجي؛ كونها لا تتناسب مع القدرات والإمكانات التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي، لا سيما أنه يتلقى دعمًا مفتوحًا من الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك فقد عادت المقاومة إلى معظم المناطق التي خرج منها الجيش الإسرائيلي؛ بسبب نقص القوات وعدم قدرته على الاحتفاظ بالأرض مع تصاعد عمليات المقاومة.

تراجع الإستراتيجية الإسرائيلية عن أهداف الحرب:

لقد خرجَ إلينا العديد من القيادات العسكرية الإسرائيلية بتصريحات عبر وسائل الإعلام، تبين تمكّن المقاومة الفلسطينية من إدارة معركة دفاعية ناجحة مستخدمةً تكتيك حرب العصابات، وإستراتيجية غير مباشرة بطريقة لا مركزية في المواجهة العسكرية، من خلال استخدام مجموعات مستقلة وصغيرة، ولكنها فاعلة، مما يجعل مهمة التعامل معها عسيرة وطويلة.

كما جاءت هذه التصريحات متتالية؛ لتبرير الفشل الكبير في تحقيق أهداف الحرب، خصوصًا أنّ تصريحاتهم تقول إن المواجهة قد تطول لسنوات، كما تحدث بذلك آمر لواء النقب (12) الذي قال: إن "تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس ليسَ سهلًا، وقد يستغرق عامين آخرين"، أما قائد إدارة القتال في لواء ناحال (933)  فقال: "أعتقد بأننا سنبقى في محورَي فيلادلفيا ونتساريم عدّة أشهر وربما سنوات".

ثم جاءت تصريحات قائد لواء ناحال لصحيفة "إسرائيل هيوم": إن القوات العسكرية ستقوم بالبقاء في محور فيلادلفيا في حال طُلب منها البقاء فيه" وأضاف: " الجيش الإسرائيلي يقوم بإنشاء منظومة دفاعية في حال تطلب منه الأمر ذلك"، وهذا يبين بصورة واضحة التخبط الكبير، فأحدهم يقول؛ ربما يكون بقاؤنا ستة أشهر!، بينما يقول آخر ربما يكون بقاؤنا سنوات، وهي دلالة واضحة على عدم وجود رؤية حقيقية وإستراتيجية عسكرية للتعامل مع اليوم التالي.

الدخول إلى المرحلة الثالثة تدريجيًا:

إن تتابع التصريحات العسكرية والسياسية بالانتقال إلى المرحلة الثالثة تدريجيًا، جاء متزامنًا مع استمرار القتال في مدينة رفح والتي تضاربت التصريحات حول انتهاء مهمة القتال فيها من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وحتى سنوات!

كما أنها جاءت مع تصاعد الخسائر بشكل غير مسبوق للجيش الإسرائيلي؛ بسبب التطوّر الكبير في أداء المقاومة الفلسطينية في مناطق متعددة من المواجهة، وخاصةً في الشجاعية وتل الهوى، وتل السلطان ويبنا وبني سهيلة والزنّة.

وقد تزامنت هذه الخسائر مع صدور تصريحات حول انتقال القتال في جميع مناطق القطاع إلى المرحلة الثالثة من الحرب، مع قرب انتهاء معركة رفح، والتي ستكون فيها العمليات العسكرية أقل كثافة وأكثر تركيزًا من خلال شنّ عمليات عسكرية سريعة، وبقوّات محدودة على مناطق جغرافية محددة؛ للقضاء على حماس ومنعها من إعادة ترتيب صفوفها، هذا حسب المعلن من الجيش الإسرائيليّ.

ملامح المرحلة الثالثة:

غارات خاطفة بقوات محدودة: يقول الجيش الإسرائيلي إن المرحلة الثالثة ستتسم بالنشاط الجوي والهجمات الخاطفة بقوات محدودة، وأنا في تقديري أنه سيركّز على التفكيك النفسي والمادي لفصائل المقاومة من خلال إطالة أمد المعركة، وتنفيذ عمليات أمنية عشوائية تبدأ من القيام بشنّ غارات جوية مدمرة على المدنيين في جميع المناطق، بما فيها المناطق المصنفة بأنها آمنة؛ لإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية والمادية؛ لإجبار وإثارة المدنيين على تقديم معلومات حول تواجد قيادات المقاومة، وكذلك أماكن احتجاز الأسرى.

وكذلك لبثّ روح اليأس لدى المقاومين، وهذا ما جرى في منطقة المواصي والنصيرات وخان يونس، علمًا بأن جميع المناطق الآمنة بما فيها مدارس الأونروا مثبتة لدى الأمم المتحدة وإسرائيل، وهناك موقف يومي يتم تبادله مع القوات الإسرائيلية، ومع هذا يتم قصف هذه المناطق، كما حصل في المناطق الشرقية لمدينة خان يونس، التي طلبوا منها الإخلاء تحت النار والقصف، وصولًا إلى المنطقة الآمنة من المواصي التي تم اقتطاع أجزاء منها.

سيعمل الاحتلال على تقليل دخول المساعدات الإنسانية والطبية، وسيحاول استخدامها لإدخال قوات أمنية إسرائيلية بغطاء إنساني كما جرى في النصيرات ورفح، بالإضافة إلى شن عمليات اقتحام ومداهمة على مناطق معينة، مستندةً على معلومات استخبارية وأمنية دقيقة؛ لتنفيذ عمليات توغل محددة للبحث عن أسرى، وقيادات، وأنفاق، وبنى تحتية، تابعة لفصائل المقاومة بما فيها مخازن للأسلحة، والذخيرة، ومنصات إطلاق الصواريخ؛ لضمان عدم قدرة حماس على تهديد إسرائيل مرة أخرى.

وهذا يتطلب تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات وأفراد المقاومة بقصف جوي ومدفعي مروّع، حتى ولو أدّى ذلك لقصف المدنيين للضغط على قيادات المقاومة للقبول بالشروط الإسرائيلية، علمًا بأن هناك الكثير من المناطق التي شهدت عودة القوات الإسرائيلية إليها مرة أخرى، مثل: مشفى الشفاء وجباليا، وجباليا البلد، وبيت حانون، والشجاعية، والصبرة والزيتون، وتل الهوى، والنصيرات، وخان يونس.

إنّ ملامح المرحلة الثالثة التي ينوي جيش الاحتلال الإسرائيلي الذهاب إليها تتلخص بانتقال الجيش الإسرائيلي إلى مرحلة جديدة تتضمن "عددًا أقل من القوات البرية، وغارات جوية"، كما يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "دانيال هاغاري".

ولكن الذي يحصل في خان يونس يناقض ذلك بصورة تامة حيث تمّ الهجوم بالفرقة (98)، وثلاثة ألوية قتالية، هي: اللواء السابع المدرع، ولواء المظليين (35)، ولواء المغاوير (89) مدعومة بقصف جوي ومدفعي انتقامي من المدنيين، وما زالت العملية العسكرية مستمرة إلى الآن، حيث إن المعلومات تشير إلى إبقاء السيطرة على محور نتساريم الذي يفصل مناطق الشمال عن مناطق الوسط والجنوب؛ بما يؤمّن الوصول إلى مختلف مناطق القطاع بسرعة كبيرة، حيث توجد الفرقة (99) بقوة لواءَين، هما: اللواء الثامن المدرّع، واللواء المشاة (3) ألكسندروني، التابعان للفرقة (91) تشكيلات الجليل، وقد تم سحبهما من المنطقة الشمالية للقتال في قطاع غزة، رغم التهديد الإسرائيلي بفتح جبهة الشمال.

وهو ما يجعلني أذهب إلى الخيار الجوي في فتح جبهة الشمال على نطاق واسع أكثر من خيار الاجتياح البري في حالة التصعيد مع لبنان.

كما أن هذا المحور يتم توسيعه إلى مسافة (4 كم)، مما يعني توسع عمليات التوغل نحو مناطق الشمال، كما جرى في تل الهوى والزيتون والشيخ عجلين، وكذلك باتجاه الجنوب نحو الزهراء والمغراقة، ليكون هذا الممر أو المحور موقعًا عملياتيًا متقدمًا لتنفيذ غارات خاطفة وسريعة إلى داخل المنطقة في قطاع غزة.

لقد أشار وزير الدفاع الإسرائيلي "يوآف غالانت" لصحيفة "وول ستريت جورنال" في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى " انتقال الجيش من مرحلة المناورة المكثّفة إلى نوع معين من العمليات الخاصة"، التي يمكن تلخيصها بالانتقال إلى استخدام إستراتيجية المحور والغارة، كما جرى في استخدام محور نتساريم في عملية النصيرات، حيث إن هذا المحور يوجد فيه أربع عقد دفاعية: واحدة على شارع الرشيد، وأخرى على تقاطع شارع صلاح الدين، وواحدة بالقرب من مشفى الصداقة التركي، وآخرها عند أبو عربيان بالقرب من جحر الديك.

بالإضافة إلى وجود ثلاثة طرق رئيسية؛ أحدها لتنقل القطعات الآلية والمدرعة، وآخر لعمل القوات الدولية، وأخيرًا طريق للحركة السريعة؛ لإتاحة المجال لتنفيذ عمليات عسكرية خاطفة وسريعة على غرار ما يجري في الضفة الغربية؛ أي مرحلة "جز العشب" وفقًا لما نقلته صحيفة هآرتس. مع الأخذ في الحسبان أن إطالة أمد الحرب هي أهم أهداف المرحلة الثالثة ضمن إستراتيجية نتنياهو لكسب الوقت والبقاء في السلطة، لأطول فترة ممكنة، وإجبار الشعب الفلسطيني على الهجرة من القطاع.

مناطق محتملة لبقاء القوات الإسرائيلية:

يبدو من التسريبات بأن محور فيلادلفيا سيكون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في المرحلة الثالثة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وانسحاب القوات الإسرائيلية من محوري نيساريم وفيلادلفيا بشكل كامل ضمن آلية يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، وهذا يؤشر إلى أن هذه المرحلة الثالثة سيكون فيها محور فيلادلفيا تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بما فيها معبر رفح، مما يعني خنق القطاع بشكل كامل وفصله عن التواصل الخارجي.

كما سيتم السيطرة على المنطقة العازلة التي تبدأ من البحر في بيت لاهيا إلى بيت حانون بمحاذاة الشريط الشرقي للقطاع، وصولًا إلى معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح حتى البحر بعمق (1 كم) على طول الشريط الحدودي مع غزة.

وهذا يعني تدمير الكثير من الأراضي الزراعية ونسف وتدمير ممنهج لآلاف من المنازل والأحياء السكنية باحتلال مناطق جديدة مثل نتساريم وتقليصها إلى نسبة (26%) من مساحة القطاع، كما تشير بعض التسريبات إلى أن هناك خمسة ألوية ستقوم بواجبات المرحلة الثالثة التي ستشهد عمليات عسكرية على شكل غارات سريعة ومحدودة، حيث إن القيادات العسكرية – خاصةً وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت، ورئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي-  يعارضون البقاء العسكري في قطاع غزة؛ لأنه سيشكل استنزافًا كبيرًا لقواتهم العسكرية مع تعدد التهديدات.

إنّ بقاء الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق التي حددها بمحوري نتساريم وفيلادلفيا والمنطقة العازلة، سيجعل من هذه المناطق أهدافًا إستراتيجية لفصائل المقاومة بهجمات مباشرة وغير مباشرة بالقوة الصاروخية والهاون، ولا أستبعد أن تكون هناك هجمات خاطفة على مناطق تواجدهم بغارات كالتي تم تنفيذها في الشجاعية وتل السلطان، خصوصًا أن محور نتساريم يعتبر جيبًا مهلكًا؛ لأنه بين فكَّي كماشة بين كتائب القسام في لواء الشمال وغزة، وبين لواء الوسط، حيث إنه كان هدفًا للقوة النارية الفلسطينية بصواريخ رجوم (114 ملم)، والهاون (120 ملم)، وصواريخ (107 ملم)، إضافة إلى عمليات القنص.

وهذا يبين أننا في معركة استنزاف كبيرة، خصوصًا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعاني من طول مدة المعركة التي أنهكت قوات الاحتياط واستنفدت طاقاتهم، ناهيك عن النقص الكبير في المعدات والذخائر، بالإضافة إلى الانقسام الكبير بين القيادات السياسية والعسكرية، والذي بدأ يطفو إلى السطح بشكل جلي، مما يؤثر على وحدة القرار، ويزيد من الانقسام الداخلي، خاصة أن قضية تجنيد الحريديم بدأت تتصاعد بشكل كبير.

السؤال الذي يجب أن تجيب عنه القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، هو: كيف سيتم تحقيق أهداف الحرب الإستراتيجية من خلال عمليات عسكرية خاطفة وسريعة بقوات محدودة؟، أو من خلال القصف الجوي باستخدام الكثافة النارية، والجميع يعرف أن القوة الجوية يمكن لها أن تؤمن تفوقًا إستراتيجيًا، ولكنها لن تستطيع حسم المعركة بشكل نهائي، ما لم تكن هناك قوات قادرة على مسك الأرض، خاصة أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أهداف الحرب من خلال المناورات العسكرية الكبرى.

فهل ستنجح هذه العمليات المحدودة والقصف الجوي على المدنيين بتحقيق أهداف الحرب؟، خصوصًا أن الكثير من المراقبين يرون أن العمليات العسكرية استنفدت أغراضها وأهدافها، ولن تضيف أي إنجاز عسكري لما تم تحقيقه، حيث إن المرحلة الثالثة تعني سحب معظم القوات العسكرية الميدانية لتتمركز خارج قطاع غزة ومحور نتساريم، مما يشير للبقاء العسكري المحدود كما ذكرنا آنفًا.

وهنا لا أنفي أن ذلك سيتيح للقيادة العسكرية بهيئة الأركان المناورة بالقوات باتجاه المنطقة الشمالية مع لبنان، ولكن جميع هذه الترتيبات الإسرائيلية سترتبط بالحالة العسكرية والميدانية في القطاع، مع قدرة المقاومة على شن هجمات مؤثرة على مناطق تواجد الجيش الإسرائيلي الذي يحاول أن يجعل من مناطق قطاع غزة على غرار ما يجري في الضفة من مداهمات واقتحامات.

بيدَ أنّ هذا السيناريو لا يمكن أن يطبق على قطاع غزة في ضوء تواجد المقاومة بهذه القوة والقدرة العسكرية، وحالة المواجهة القائمة بين الجانبين. علمًا بأن وزير الدفاع الإسرائيلي "غالانت" يقول: "إن إسرائيل ستواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة بناء قدراتها من جديد".