فلسطين أون لاين

عدا عن ارتفاع أسعار العلاج الباهظة

شح مستلزمات عيادات الأسنان ينذر بمخاطر صحية كبيرة بين الغزّيين

...
صورة أرشيفية
النصيرات/ محمد عيد

لا خيار ثان أمام الفتاة سعاد سلامة (20 عامًا) سوى التوجه لإحدى عيادات الأسنان (القطاع الخاص) بعد انهيار المنظومة الصحية الحكومية وتوقف تلك الخدمة في مؤسسات وكالة (أونروا) الصحية.

وبالفعل، توجهت سعاد النازحة من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات وسط القطاع لإحدى العيادات في المخيم من أجل علاج آلام أسنانها التي أزعجت حياتها ليلا ونهارا.

لكن "الصدمة" بحسب تعبيرها التي تلقتها في عيادة الأسنان، تمثلت بارتفاع أسعار العلاج "الخيالية" مقارنة مع قبل الحرب الإسرائيلية على غزة.

وخضعت في تلك العيادة لجلسة علاج "حشوة عصب" بثمن 170 شيقل (50 دولار أمريكي) مقارنة مع 70 شيقل (20 دولار) كان سعر جلسة العلاج قبل الحرب.

وقالت سعاد: "بمشقة بالغة استطاع والدي توفير ثمن جلسة العلاج التي استغرقت نصف ساعة".

وتوقف والدها عن العمل كسائق أجرة منذ بداية الحرب كغيره من آلاف السائقين الذين تضررت مركباتهم من القصف الإسرائيلي، ولجأ حاليا للعمل بأجرة يومية على مركبة لإحدى أصدقائه.

ولم يقتصر الأمر على مشقة توفير ثمن العلاج فقط، بل عانت الفتاة الجامعية من حالة إعياء في جسدها لعدة أيام أجبرت على إثرها للذهاب للمستشفى وأخبرها الطبيب بأنها "حالة عامة إزاء الفيروسات" المنتشرة بين المواطنين والنازحين.

ولا يتلقى من يعانون من الأمراض المعدية إلا قدراً محدوداً من رعاية طبية داخل المستشفيات والمراكز الطبية العاملة بعد خروج غالبيتها عن الخدمة؛ بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023.

مخاوف أخرى

وليست الأسعار والعدوى وحدهما تقلقان الأم هناء بارود (30 عاما) من التوجه إلى إحدى عيادات الأسنان.

فالأم الحامل بشهرها السادس تخشى من إصابتها أو جنينها بإحدى العدوى أو الأمراض عبر أدوات الأسنان في ظل "شح" المواد والمستلزمات الطبية.

وبعد 10 شهور من الحرب الإسرائيلية، تعاني عيادات الأسنان في غزة من شح شديد في المواد والمستلزمات الطبية اللازمة لعملها.

ولجأت بعض العيادات العاملة إلى استخدام وسائل بديلة في التخدير أو التعقيم. بحسب إفادات أطباء لمراسل "فلسطين أون لاين".

وبعد بحث لعدة أيام، تمكنت هناء النازحة من مدينة رفح إلى بلدة الزوايدة وسط القطاع من إيجاد عيادة طبية "ملائمة لحالتها الصحية".

وقالت: هذه العيادة "أفضل الموجود" لكن المعضلة الأخرى تتمثل بارتفاع أسعارها في ظل ظروف الحرب وحياة النزوح.

ولأجل ذلك، اضطرت الأم لطفل وحيد لبيع "خاتم ذهب" من أجل الخضوع لجلستي علاج "خلع طاحونة" و"حشوة عصب" بثمن 400 شيقل (110 دولار) مقارنة مع 100-150 شيقل قبل الحرب.

وأضافت هناء: "لا خيارات بديلة أمام الواقع الأليم الذي يعيشه كل إنسان في غزة"، معربة عن أملها بتوقف الحرب قريبا والتمكن من الولادة بظروف هادئة وصحية.

"ظروف معقدة"

ووصف طبيب الأسنان د. صالح أبو ملوح ظروف العمل الحالية في عيادات الأسنان بـ"المعقدة جدا".

وأوضح أبو ملوح لمراسل "فلسطين أون لاين" أن العديد من عيادات الأسنان في القطاع تعرضت للقصف والتدمير وأما العاملة منها فتواجه الحصار الإسرائيلي المطبق على المعابر وتوقف توريد المستلزمات الطبية اللازمة لعملها.

وأكد أن عيادات الأسنان تعاني بالفعل من "شح" أو "انعدام" للمستلزمات والأدوات الطبية كـ: مادة التخدير الصحية، الحشوة البيضاء، الكحول والمعقمات الصحية وغيرهما.

وتطرق إلى ارتفاع ثمن المواد الطبية – إن وجدت – كثمن "علبة البنج" الذي يبلغ سعرها حاليا 1000 شيقل (نحو 300 دولار) مقارنة مع 100 شيقل قبل الحرب.

وكذلك "علبة الحشوة البيضاء" الذي يبلغ سعرها حاليا 250 شيقل مقارنة مع 50 شيقل سابقا.

وأشار إلى العائق الأكبر أمام عمل العيادات المتمثل بانعدام مصادر الطاقة الكهربائية اللازمة لجهاز التعقيم عدا عن ارتفاع تكلفة الطاقة البديلة.

وتعاني غزة من شح شديد في المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية عدا عن ارتفاع أسعارها في حال توفرها.

وأقر بـ"خطر انتشار العدوى بأشكالها" المختلفة إزاء الظروف الراهنة التي تعصف بعيادات الأسنان في جميع محافظات القطاع.  

وأعرب طبيب الأسنان عن أمله بدعم المؤسسات الدولية لعيادات الأسنان المحلية؛ لإنقاذها وتجنب خطر انتشار العدوى والأمراض بين الغزيين.

وسبق أن حذرت المتحدثة باسم "منظمة الصحة العالمية" مارغريت هاريس من أن عدداً أكبر من سكان غزة معرضون للموت بسبب الأمراض مقارنة بالقصف الإسرائيلي في حال لم تجرِ إعادة بناء النظام الصحي في القطاع بسرعة.

وذكرت هاريس: "في نهاية المطاف، سنرى عدداً أكبر من الناس يموتون بسبب الأمراض مقارنة بالقصف إذا لم نتمكن من إعادة بناء هذا النظام الصحي".