يقلب الزميل محمود أبو حصيرة المصور الصحفي في صحيفة "فلسطين" هاتفه بين الفينة والأخرى لقراءة بعض الرسائل التي وصلته من زوجته قبل استشهادها مساء يوم السبت الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي كانت تحاول الاطمئنان عليه بعد مكوثه برفقة والديه في منزل يحتمون به يبعد عن منزلهم المستأجر نحو كيلومترًا.
وما أن ينتهي من قراءة تلك الرسائل تبدأ دموع الحزن والاشتياق تنساب من عينيه، وهو ينظر إلى صور أطفاله وزوجته التي يحتفظ بها على هاتفه.
ويسترجع أبو حصيرة، بذاكرته إلى يوم المجزرة، أي في الـ 4 من نوفمبر الماضي، ويقول: "كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساءاً عندما وقع انفجار قوي هز المكان وقتها توقعت بأن طائرات الاحتلال الحربية دمرت مسجد الهدي القريب من دوار أبو حصيرة غربي مدينة غزة، أو إحدى صالات الأفراح على شاطئ البحر، لكنه لم يعلم أن المستهدف عائلته في تلك المنطقة".
ويضيف أبو حصيرة، وعلامات الحزن باتت ظاهرة على وجهه، "كنت وقتها أجلس في مكان قريب لجأ إليه أبي وأمي بعد تدمير منزلهم في حي الكرامة شمال غرب مدينة غزة"، ويكمل: "أن حالة من الخوف تملكت قلبي وشعرت بأن شيء قد أصاب أسرتي بسبب شدة وقوة الانفجار وصعود ألسنة إلى ارتفاعات كبيرة، فهرعت إلى المكان لأصدم بهول ما رأيته فمنزلي دمر بشكل كامل واستشهدت زوجتي ووالدها ووالدتها وشقيقيها وأختها وبناتها الاثنتين، وعدد من أفراد العائلة، وطفلي زياد ابن السبعة أعوام ابنتي غادة 5 سنوات، إلى جانب ارتقاء 32 شهيداً من أفراد أسرتي و7 أفراد من الجيران".
يتوقف الزميل أبو حصيرة، عن الكلام للحظات قبل أن يشير بيده إلى المكان الذي كان يتواجد به لحظة استهداف عائلته، مستذكرًا أن زوجته طلبت منه يومها المبيت في منزله المستأجر بسبب طلبات ابنته "غادة" المتكررة لرؤيته و"اشتياقها لي رغم أنى كنت أزورهم بشكل يومي لمدة ساعتين فقط بسبب اكتظاظ المنزل بالنازحين الذين لجأوا إليه على اعتبار أنه مكان أمن".
"كان يحبها وكأنت أخر حبة بوظة يتناولها"
ويلفت إلى، أنه لم يتمكن قبلها من زيارتهم قرابة الأسبوعين بسبب شدة القصف، واستهداف كل من يتحرك في المكان فكان التواصل بينهم يقتصر على رسائل الجوال دون أية اتصالات لسوء الشبكة.
ويتوقف الزميل أبو حصيرة، عن الكلام لثواني معدودة أخرى، وهو يقلب هاتفه عند صورة لأطفالهم وهم يتناولون بعض المثلجات، ويقول: كان ذلك اليوم استجابة لطلب ابني "زياد" بأن نخرج في نزهة واصطحابه إلى أماكن جديدة، ويكمل بحزن: "كان يحبها وكأنت أخر حبة بوظة يتناولها".
وما يزيد من حزن أبو حصيرة، أن زوجته وأطفاله وعائلته لايزالون حتى اللحظة تحت أنقاض منزلهم المدمر، غير قادرين على انتشالهم بسبب كثافة الركام وصعوبة إزالته، وعدم قدرة جهاز الدفاع المدني على العمل بسبب استهداف طواقمه المتكرر من قبل جيش الاحتلال وتدمير آلياتهم ومعداتهم.
لكنه يقول، إنّ بعض أقاربه أبلغوه بانتشال نجله البكر "زياد" الذي لم يتمكن من رؤيته وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وهو ما يزيد من حزنه وحسرته، متأملًا أن ينتهي العدوان وينتشل عائلته ويواريها الثرى.
ولم تغب الفكاهة، عن أبو حصيرة، رغم ما أصابه وكأنه يواسي نفسه ويحاول التأقلم على الواقع الجديد الذي يعيشه بعيداً عن عائلته.