فلسطين أون لاين

​طلبة وهموم

(1)

طلبت منا المعلمة مشروعا لمادة التكنولوجيا، وكان على كل طالبة أن تصنع مجسم منزل من الخشب أو الكرتون أو أي مادة تتوفر لديها، ثم عليها أن تمدد أسلاكا كهربائية ودارات ومصابيح وقواطع لإيصال الكهرباء إلى ذلك المنزل. توفرت لدي ألواح بلاستيكية صنعت منها مشروعي الذي عملت فيه بإصرار لمدة يومين متواصلين، أوصلت الأسلاك والمصابيح وجهزت الدارات الكهربائية بشكل كامل.

استنفذ ذلك المشروع وقتي وجهدي وميزانيتي حينها، ومع بداية الأسبوع أخذت مشروعي للمدرسة وسلمته للمعلمة. ساءني أن المعلمة لم تعلق على عملي بأية كلمة، ولكني شاهدتها تضع رقم 25/30 في سجل العلامات.. وبعد أن جمعت المشاريع من الطالبات، أرسلتها مع آذنة المدرسة إلى مخزن تحت مطلع الدرج.

مضى الفصل الدراسي الأول، وفي اليوم الدراسي الأخير منه، وخلال خروجي من بوابة المدرسة شاهدت مشروعي ملقى في حاوية النفايات أمام باب المدرسة مكسراً يملأ الذباب العبارة المكتوبة أعلاه: عمل الطالبة:...". شعرت بيأس كبير، فطأطأت رأسي، وعدت إلى البيت أتمنى لو كان هذا اليوم هو آخر عهدي مع المدارس.

(2)

في بداية العام الدراسي، ذهبت إلى المدرسة يملؤني الأمل والطموح، وما إن تسلمت كتب المنهاج الجديد، وشرعت المعلمات بشرح الدروس ومناقشتها، وتطبيق الأنشطة حتى أصابني يأس عميق وحيرة، فعندما أعود إلى البيت لا أجد في كتبي ما أدرسه للامتحان، فدروس العلوم مثلاً عبارة عن عناوين، ومجموعات من الأنشطة والأسئلة. لا يوجد مادة أذاكرها وأتقدم للامتحان برصيد منها. أتمنى لو ينقذني أحد من حيرتي.

(3)

يقرع الجرس وتنتهي الفرصة كل يوم دون أن أتمكن من الشراء من مقصف المدرسة، أنظر حولي، فأجد أعداداً كبيرة من الطلبة ذوي الأحجام الضخمة يملؤون المكان، لا أستطيع الوصول إلى شباك الشراء، وفي ظل تلك الأزمة يسقط مصروفي من يدي في بعض الأيام، وفي أيام أخرى يسرقه الطلبة الكبار مني. أشعر بعدم الراحة في هذا المكان، وأتمنى لو أن المدرسة مثل روضة الأطفال التي كنت فيها العام الماضي، لا طلبة كبار فيها ولا اكتظاظ ولا خشونة ولا عنف.

(4)

أشعر أنني مضغوطة جداً هذا العام، فبعد بدء المدرسة بأسبوعين، هناك امتحان واحد على الأقل يومياً، عدا عن الواجبات اليومية والمشاريع التي ترهقني وتستنفد وقتي، لدرجة أنني أصبحت فيها لا أجد وقتاً لمذاكرة ما تشرحه المعلمات في الصف. أشعر وكأنني في مطاردة يومية محمومة مع الوقت والمنهاج الدراسي.. ليت المسؤولين في وزارة التربية يتذكرون أننا لا نزال أطفالاً نحتاج للعب كما نحتاج الدراسة والواجبات الكثيرة المملة.

(5)

منذ دخلت الثانوية العامة يعاملني الجميع وكأن الدنيا قد طرأ عليها تغير كبير، فكل من حولي يرددون دائماً بأن هذا العام مختلف، وأنه هو ما سيحدد مستقبلي وأيامي القادمة. في البيت يحاصرني الجميع إن لعبت مع إخوتي، أو خرجت للصلاة في المسجد، أو تركت كتبي لبعض الوقت لأساعد أبي في عمله، وحتى إن نمت قليلاً، أجد أمي تصرخ بي قائلة: بسرعة عُدْ لدراستك، فالوقت يمضي". أشعر بالضيق الشديد، فأنا لست آلة تنفذ الأوامر، صحيح أنني يجب أن أستثمر وقتي جيداً، ولكن هل هذا يعني أنه لا مكان للترفيه في هذا العام؟

ويقولون لي أيضاً: "تحتاج أن تتعب هذا العام، لترتاح بعدها". ولكني أجد أختي التي تدرس هندسة، وابن عمي الذي يدس طب الأسنان، دائمَي الدراسة لدرجة أننا لا نراهم تقريباً، هم فقط يعتكفون في غرفهم يدرسون كتبهم. إذًا كلامهم ليس صحيحاً.. فالدراسة جميعها بغض النظر ثانوية عامة كانت أو جامعة بحاجة للمثابرة وتنظيم الوقت، والإصرار وبذل جهد كبير ولكن دون ضغط نفسي وإلحاح.