عمليات البصق على رجال الدين والحجاج المسيحيين في القدس، التي بدأت ضمن حالات فردية من قبل فتية من اليهود الحريديين، تحولت مؤخرا إلى ظاهرة عامة شملت مختلف الأعمار وامتدت إلى اتباع الصهيونية الدينية وحتى جنود متدينين في جيش الاحتلال، وطالت جميع المسيحيين من زوار وحجاج وكهنة ورجال دين وكل فتاة وشاب وعجوز يلبس الصليب.
كما أن عملية البصق بما تحمله بحد ذاتها من إهانة وتحقير تترافق عادة مع وابل من القذف والسب والشتم والحركات اليدوية المشينة، وتطال المسيرات الدينية والكنائس ودور العبادة، وهي تشكل جزءا عضويا من عمليات الانتهاك والتنكيل والاعتداء التي يتعرض لها المسيحيون والمسلمون الفلسطينيون ومقدساتهم في المدينة المحتلة.
وتحظى هذه الاعتداءات كما يبدو بتسامح رسمي وبتغطية شبه رسمية من الدوائر المسؤولة عن تطبيق القانون والحفاظ على أمن المواطنين في المستويين المحلي والعام، فناهيك بمشاركة نائب رئيس بلدية الاحتلال، أرييه كينغ، بنفسه في تظاهرة جرى خلالها عمليات بصق واعتداء على مصلين مسيحيين والتنكيل بهم، فإن وزير ما يسمى الأمن القومي، إيتمار بن غفير، شرعن هذه الاعتداءات صراحة عندما قال إنها لا تعد مخالفة جنائية ولا تستدعي اعتقال منفذها، وهو ما يفسر تساهل الشرطة الإسرائيلية مع منفذيها.
أما الحالات النادرة التي وصلت إلى المحكمة فقد انتهت بأحكام مضحكة أقصاها إبعاد المعتدي عن القدس أسابيع فقط، هذا في وقت تم الحكم على الشيخ رائد صلاح بالسجن مدة سنة وثلاثة أشهر، تسعة منها بشكل فعلي، إضافة إلى دفع غرامة بقيمة 7500 شيكل بتهمة البصق على أحد أفراد شرطة الاحتلال، واعتبرت المحكمة أن "هذه الفعلة تعبر عن كراهية واستخفاف برجال الأمن الذين يمثلون القانون في (دولة إسرائيل).
الاعتداءات لا تتوقف عند "البصق" فقط، فمؤخرا قامت مجموعة من الشبان اليهود باقتحام كنيسة جبل صهيون في القدس وعبثوا بمحتوياتها وعندما طلب منهم المغادرة كالوا الشتائم وقالوا إن جبل صهيون للشعب اليهودي، كما جرى اقتحام كنيسة أخرى على مقربة من أريحا، ناهيك باعتداءات إجرامية أكثر وطأة شهدتها السنوات الأخيرة، مثل إحراق كنيسة "الخبز والسمك" في طبريا والاعتداء على كنيسة "البشارة" في الناصرة.
إلا أن لطقس البصق على الرموز الدينية المسيحية وعلى المسيحيين حكاية تاريخية لدى اليهود الأشكناز في أوروبا، حيث اعتادوا البصق لدى المرور بجانب الكنائس تعبيرا عن النفور والاشمئزاز، ويبدو أن العادة الأشكنازية القديمة اندمجت جيدا مع وجهات نظر دينية حديثة متشددة تجاه المسيحية لدى أوساط يهودية في إسرائيل، كما يقول الصحفي نير حسون، الذي تتبع في تقرير نشرته "هآرتس" تاريخ هذه "العادة" وانحطاطها إلى هذا المستوى.
حسون أورد على لسان د. كرمة بن يوحنان من قسم العلوم الدينية في الجامعة العبرية قولها إن التوجهات نحو المسيحية شهدت تحولا سلبيا في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث جرى تبني توجهات الرمبام وتعريفه الذي عد المسيحية "عمل غريب"، وذلك بخلاف توجهات أخرى كانت سائدة إلى حينها، وهو تعريف يتساوق جيدا مع "القومية الحردلية الكهانية" التي تؤكد ضرورة إفناء المسيحية في البلاد. هذه التوجهات هي التي حركت، كما تقول بن يوحنان، مشعلي حريق كنيسة "الخبز والسمك" في طبريا في 2015 وغيرهم من المعتدين على الكنائس التي شهدتها السنوات الأخيرة.
أما المفارقة، فإن الاعتداءات المذكورة التي لا تميز بين مسيحي وآخر قد شملت حجاجا إنجيليين من أتباع ما تسمى الصهيونية المسيحية الذين تعرضوا لوابل من البصاق والشتائم خلال تأديتهم لطقس ديني في أحد شوارع المدينة، في حين تعرضت وزيرة البحث الألمانية للإهانة أيضا خلال زيارتها مؤخرا لحائط البراق عندما طلبت موظفة هناك من خوري كان برفقتها خلع صليبه بادعاء أنه مستفز، وعندما أجابها بأن هذا جزء من لباسه، قالت: لا نريد لك أن تتعرض لسلوك غير لطيف في ضوء ما يحدث في دروب القدس العتيقة، في إشارة إلى أن إشهار الصليب سيعرضه للبصاق والشتائم من الحضور.
ولكن هذه الإهانات لن تغير شيئا في الغرب المناصر لإسرائيل التي تعد جزءا من تاريخه الاستعماري وأداة راهنة لبسط نفوذه في المنطقة.