بعد 30 سنة على توقيع اتفاق أوسلو، جرى هذا الأسبوع الكشف جزئيًّا عن بروتوكول جلسة الحكومة الإسرائيلية، التي أقرت اتفاق المبادئ الذي وقع في 13 أيلول/ سبتمبر 1993 على العشب الأخضر في البيت الأبيض، من قبل رئيس حكومة الاحتلال آنذاك، يتسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير ياسر عرفات، فيما أرجئ الإفراج عن الجزء المتبقي منه إلى 20 عاما أخرى، بادعاء أن هذا الكشف يضر بمصلحة (إسرائيل).
عوفر أديرت، الذي استعرض في مقال نشرته "هآرتس" أبرز وقائع الجلسة التي أصبحت مسموحة للنشر، توقف عند حديث سكرتير الحكومة، في حينه، إلياكيم روبنشطاين، عن مسألة "أراضي الدولة" الواقعة في الأراضي المحتلة، وتشكك الأخير بالنسبة للتفسير الذي قدم حول هذا الموضوع، مشيرا إلى حظر نشر الاقتباسات الكاملة لأقوال روبنشطاين والتي يمكن الاطلاع عليها كاملة فقط بعد مضي 20 سنة أخرى.
هذا في حين نوهت "هآرتس"، التي خصصت افتتاحيتها لهذا الموضوع، إلى تأكيد الوزراء على أهمية إبقاء السيطرة على "أراضي الدولة" (التي عرفت لاحقا بمناطق "ج") بأيدي (إسرائيل)، وهو ما يعني الاحتفاظ باحتياطي الأرض لتوسيع المستوطنات، وأوردت على لسان شمعون بيرس كيف تبددت تخوفاته من أن يبدأ الفلسطينيين بقضية المستوطنات، وقوله إن الضفة الغربية هي ليست "يميت" وعام 1993 هو ليس عام 1982، في إشارة إلى اخلاء مستوطنات سيناء عند توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وأن البدء بإخلاء عشرات آلاف المستوطنين، سيقود، كما قال، إلى وضع غير ممكن أخلاقيا وماديا، وإلى مواجهات يجب تحاشيها؛ بيرس تنفس الصعداء من كون الفلسطينيين تفهموا هذا الأمر ووافقوا على إبقاء المستوطنات على حالها حتى في قطاع غزة.
اقرأ أيضًا: جنين و"الأوسلويون"... نهجان متضادان
اقرأ أيضًا: أوسلو يتناقض مع الاستقلال؟!
كان واضحا للوزراء الذين أقروا الاتفاق، التناقض الجوهري القائم بين الحكم الذاتي الفلسطيني وبين الاستيطان، إلى جانب الثغرات والقنابل الموقوتة التي شملها الاتفاق أيضا، والتي كانت إضافة إلى رفض رابين لأي مفاوضات حول القدس، وما لم يشمله من قضايا جوهرية، كما تقول الصحيفة، سببا لتفجر الاتفاق في كامب ديفيد بعد سبع سنوات ومراوحته مكانه كاتفاق مرحلي.
وفي هذا السياق تشير إلى عدم التطرق إلى الاحتلال الإسرائيلي وحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، وهو ما يدل على أن (إسرائيل) حتى التي وقفت على رأسها الحكومة الأكثر يسارية، لم تعتزم الانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية، حيث تقول الصحيفة إن رابين وعد بإقامة سلطة فلسطينية تعمل كوكيل أمني لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحاول فرملة صعود حماس وليس أكثر من ذلك.
هكذا وقعنا في فخ أوسلو، كما يقول غدعون ليفي، والذي كان لعدة سنوات "فخا من العسل"، لكنه في الحقيقة لم يقرب السلام بل أبعده إلى ما وراء الأفق، وبالمقابل وطد الاحتلال وأبد الاستيطان، أما بروتوكول جلسة الحكومة المذكور فإنه يفضح بحسب ليفي كل القصة: "التذمر، سواد الرؤية، الازدراء والاشمئزاز شبه المادي من الفلسطينيين ومن يقف على رأسهم، الشعور بأن (إسرائيل) تعطي أكثر مما تأخذ، غياب الرغبة في إقامة العدل وعدم تحمل المسؤولية عن جرائم 1948 وحتى عن جرائم 1967، إضافة إلى تجاهل القانون الدولي والانشغال الاضطراري بالأمن الذي يشمل الإسرائيليين فقط، التطرق لإرهاب الفلسطينيين وليس إرهاب (إسرائيل) والخوف الدفين من المستوطنين وأعوانهم، حتى عندما كانوا وقتها سلاحف صغيرة مقارنة بالأخطبوط الموجود اليوم".
كل ذلك تجسد، برأي ليفي، في كل كلمة نطق بها الفائزان بجائزة نوبل للسلام، رابين وبيرس، الذروة جاءت في ما قاله بيرس بتفاخر بأنه نجح في إحباط مطلب الفلسطينيين حتى بتحويل المستوطنات إلى مناطق تجارة حرة، هكذا لا يصنعون سلاما، بل ينصبون فخا لكسب المزيد من الوقت.