فلسطين أون لاين

منهج "القرآن الكريم" في بناء الإنسان

 

يُعد الإنسان في الإسلام سيد المخلوقات، وقد سخر الله تعالى له كلّ ما في السماوات والأرض، وخصَّه بملكة العقل والبيان، فكان أهلا لحملِ الأمانة التي عجزتْ عنها السماوات والأرض والجبال وأشفقتْ منها وحملها الإنسان، لذلك فقد حظِيَ بالجانبِ الأكبر من اهتمامِ القرآنِ الكريمِ عقيدةً وشريعةً ومنهجاً وأخلاقاً.

ولقد بيّن القرآنُ مبدأ خلق النوع البشري، ثم سنة الله في تطوره وتكاثرِه من الزوجين الذكر والأنثى، وبيّن أطوارَ خلقِه في الظلماتِ الثلاثِ داخلَ القرارِ المكين إلى أن يخرج خلقا آخر مكتمل الخلقة سوياً، كما تحدّث القرآنُ الكريمُ عن خصائصِ هذا الإنسان الذي أكرمه ربُّه من بين سائرِ المخلوقات، إلّا أنّ الإنسان كثيرا ما يتنكر لهذه النعم ويسيء الأدب مع خالقه المتفضل عليه بالنعم الوافرة، وكذلك أفرد القرآن الكريم العديد من الآيات للحديث عن مصير الإنسان باعتبارِه كائنا حيا بعد الموت، ليدخل مرحلة البعث والنشور للحساب على ما قدمت يمينه في الحياة الدنيا.

لقد وضَع القرآنُ الكريم للإنسانِ والمجتمعِ دستور حياته، وهو دستورٌ كاملٌ للإنسانية يشتمل على العقائدِ والعباداتِ والمعاملاتِ والآداب الفرديةِ والاجتماعية بأسلوبٍ واضحٍ وحجةٍ قوية؛ بحيث يصلح لكلِّ الأجناس ولكلِ زمان ومكان؛ فمنهجُه من صنعِ الخبيرِ العليم، الذي أحكم كل شيء صنعه، وهو منهجٌ تتضاءلَ بجانبهِ قُوى العقولِ البشرية، وتتقاصَر دونه كلّ الجهود البشرية، فلم يدع القرآن شيئًا من أمورِ الناس في دنياهم إلّا وله فيه ذكر، كما بيَّنَ الله في هذا القرآن ما يقيم أمرَ الإنسان ويضمَن له سعادته في الدنيا، ويضمَن له أيضًا فوزه في الآخرة.

وتعد النظريات البشرية التي حاولتْ أنْ تضعَ بناء للإنسانِ اهتمتْ بجانب وأهملتْ عدة جوانب؛ لأنها نظرياتٌ ناقصةٌ ومتناقضةٌ أحيانا، انطلقتْ من غاياتٍ شخصيةٍ أو أهدافٍ خاصة للداعين إليها، ومن ثم نجحتْ في تغطيةِ جانبٍ وفشلتْ في جوانبَ أخرى، وهذا ما يفرقُ بين الحقيقة القرآنية والنظرية البشرية في النظرةِ إلى بناءِ الإنسان، إذ أكد الدكتور نظير عياد الأمين العام لمجمعِ البحوث الإسلامية، أنّ القرآنَ الكريم ركَّز على عدةِ محاورَ في الحديثِ عن بناء الإنسان، وأنه إذا اختل واحد منها اختل بناء الإنسان، من خلال البناء العقدي والروحي، والعلمي والمعرفي، والأخلاقي، والبناء الجسدي، إذ إنَّ غايةَ القرآن الكريم من بناء الإنسان هي تأهيلُه ليكونَ صالحًا في نفسِه ومصلحا لغيره، قادرا على عمارةِ الأرض، وفقَ مراد الله عز وجل.

إنّ دراسة الإنسان من خلال آيات الذكر الحكيم لنْ يصلَ إلى دقائق أسرارها جيل من الأجيال مهما بُذلتْ الجهود من المختصين ومهما رصدْت الأموالُ للأبحاث في مخلوقٍ يكتنف الغموض جوانب كينونته وتلتف الأسرار حقيقة ماهيته.

ووفق عباس العقاد فإن الإنسان في عقيدةِ القرآن هو الخليفةُ المسؤولُ بين جميع ما خلقَ الله يدين بعقله فيما رأى وسمع، ويدين بوجدانه فيما طواه الغيب، ووردَتْ كلمةُ الإنسان في القرآن الكريم وصيغها (71) مرة، ما يدلُّ على تركيز القرآن واهتمامِه ببناء الإنسان من جميعِ جوانبه.

ونستنبط أهمية فقه بناء الإنسان في الإسلام، من فهْم آياتِ القرآن الكريم فهْما صحيحاً، والتدبر الأمثل لكتابِ الله لإعدادِ إنسانٍ سويٍ في عقيدتِه وسلوكِه وأخلاقِه وتربيتِه وتكوينه لبناء وإيجاد إنسانٍ صالحٍ للعبودية، عارفا بواجباته، وجميع أحكام الشريعة المختلفة، وبنائه بناء كاملا في كل جوانبه ليكونَ مؤَهلا لأعلى درجاتِ الكمالِ البشريِّ في الدين والدنيا.

المصدر / فلسطين أون لاين