فلسطين أون لاين

​نورا جردانة.. تحاكي تاريخ نابلس بمجسمات من الحصى

...
نابلس / غزة - هدى الدلو

لأجل التوعية التاريخية والثقافية، خططت "نورا جردانة" لمسار تعليمي سياحي داخل البلدة القديمة لنابلس، تنفّذ فيه رحلات ميدانية معرفية، وركزت جُل اهتمامها على تعريف الأطفال بموروثهم الثقافي والتراثي الشعبي، ثم ارتأت أن تصمم مجسما للبلدة القديمة بحاراتها الست، وبعد الانتهاء من مجسم البلدة القديمة الذي لاقى استحسان الجميع وحبهم لفكرة توظيف الفن في معرفة التاريخ بصورة سهلة ومحببة، انطلقت نحو توسيع الفكرة ببناء مجسمات تُحاكي تاريخ نابلس من الفترة الكنعانية حتى الوقت الحالي.

الثلاثينية جردانة، خريجة "فنون جميلة" بتخصص "هندسة الديكور"، تعمل في مركز تنمية موارد المجتمع، في البلدة القديمة بنابلس، وهو مركز ثقافي تابع لبلدية نابلس.

قالت جردانة لـ"فلسطين": "فكرة المشروع جاءت من خلال تنفيذ مشروع التطوير الحضري والترويج للموروث الثقافي بالتعاون مع بلدية ليل الفرنسية، وبلدية نابلس، واللتين تربط بينهما علاقة توأمة".

بدأت الشابة بتنفيذ الفكرة ببناء مجسم مدينة شيكمو الكنعانية (شكيم) والمعروفة حاليا بـ"تل بلاطة"، وكان اختيار مادة الحصى خيارًا مدروسًا بعناية، فنابلس مدينة جبلية وتعتمد في بنائها على الحجارة المستخرجة من الجبال.

وأوضحت: "وأيضًا، من المهم أن يعرف الرائي من النظرة الأولى للمجسمات، أنها مجسمات تاريخية تروي حكاية نشأة وتطور المدينة عبر العصور المختلفة، ومادة الحصى بأحجامها المختلفة خير ممثل لهذا الغرض".

وأشارت إلى أن المجسم حاليًا في المراحل النهائية لإنتاجه، حيث استغرق بناؤه قرابة ثمانية شهور، مرّ خلالها بعدة مراحل، هي الدراسة والإعداد وجمع الصور والمخططات، ومن ثم البناء، بالإضافة إلى بعض الزيارات لموقع تل بلاطة الأثري.

وتدرس جردانة حاليًا، فكرة إنشاء متحف داخل البلدة القديمة بنابلس، يضم جميع المجسمات في الفترة الكنعانية حتى الوقت الحالي، فلديها مجسم للبلدة القديمة، والمجسم الثاني لشكيم، كما تعمل على نشر كتيبات تعريفية بحارات نابلس وأهم المعالم السياحية فيها.

ومن خلال هذه السلسلة من المجسمات، تعمل على إيصال رسالة، وهي نشر التوعية بالتاريخ والموروث الثقافي، وخاصة لدى فئتي الأطفال والشباب، لزيادة انتمائهم وربطهم بأرضهم، وتوعيتهم بأهمية الحفاظ عليها، إذ تُعدّ مدينة شكيم ثالث أقدم مدينة تاريخية بعد دمشق وأريحا.

وبينت جردانة أن "شح المعرفة لدى المجتمع النابلسي عن هذه الفترة المهمة، وتفاعل الزوار بمختلف جنسياتهم مع فكرة المجسمات، وتعطشهم للتعرف على التاريخ بطريقة فنية وفكرة إبداعية لم يتطرق لها أحد من قبل، كلها عوامل أشعلت لدي شرارة الحماس لإكمال هذا المشوار".

وأوضحت: "كما أن هذا العمل ممتع جدا لي، ويعود بالفائدة عليّ أنا شخصيا، حيث زاد تطبيقي للفكرة من حجم معرفتي بمدينتي، وأصبحت أكثر تعمقًا بالمعلومات التاريخية بفتراتها المختلفة، إذ إن كل مجسم قبل تنفيذه يحتاج إلى إجراء بحث متكامل وقراءة متنوعة لتكوين الفكرة خاصة أن هذا العمل يتطلب تحري الدقة والمصداقية في المعلومات".

وبجانب عملها كموظفة في بلدية نابلس، فجردانة تهوى الرسم على الزجاج، وتمارسه في أوقات الفراغ، وقد أنشأت صفحة خاصة بهذا الفن على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وشاركت بمعرض في إبريل/ نيسان الماضي ضمن مهرجان نابلس الثقافي الثاني للثقافة والفنون.

وأوضحت جردانة أن دراستها لهندسة الديكور لا تبتعد عن مجال عملها، فخلال دراستها بالجامعة كانت تصمم مجسمات تمثل المشاريع المطلوبة منها، وهذه الدراسة ساعدتها على الإبداع والتخيل وابتكار خامات جديدة تلائم نمط المشاريع التي تنفذها حاليًا.

رغم أنها تصنع هذه المجسمات بكل حب، إلا أن الأمر لم يخلُ من العقبات، كصعوبة تنفيذ المجسم الأول الخاص بالبلدة القديمة وتمثيل الطراز المعماري المتشابك فيها، وكذلك اختيار الخامات والمواد التي تحافظ على روح البلد، وكيفية تطويعها بالشكل المناسب، ومن هنا جاءت فكرة استخدام الحصى بأحجامه، وأخشاب الصنوبر والرمل، إضافة إلى الكرتون والمواد اللاصقة المناسبة.

أما بالنسبة للمشاريع المستقبلية، فبعد الانتهاء من مجسم مدينة شكيم، تخطط جردانة لبناء مجسم آخر يحكي قصة مدينة نابلس في الحقبة الرومانية، وبدأت حاليا بإجراء بحث عن نابلس في تلك الفترة، لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والصور والخرائط.