أجمع مختصون في شؤون القدس والشأن العبري، أن الاحتلال الإسرائيلي يشعل "حربًا دينية" خطيرة عبر زيادة وتيرة الانتهاكات والممارسات العنصرية، مطالبين بإيجاد إستراتيجية واضحة لمجابهة سياساته الممنهجة.

جاء ذلك في ندوة سياسية عقدتها صحيفة "فلسطين"، تحت عنوان "تسعير الحرب الدينية ومحاولات أسرلة التعليم في القدس"، بمقرها في غزة.

وقال المختص في شؤون القدس د. أشرف القصاص: إن الاحتلال ومن قبله الحركة الصهيونية تستهدف المسجد الأقصى بالحرب الدينية، مشيرًا إلى أن الجماعات المتطرفة تمني نفسها بتطبيق الأحلام التوراتية والتلمودية القائمة على أنهم "شعب الله المختار في فلسطين المحتلة".

وأكد القصاص أن الاحتلال يسعى إلى تهويد القدس بشكل كامل، كون الجماعات المتطرفة تنظر للمسجد الأقصى بأنه مكان "الهيكل" المزعوم، لافتًا إلى أنه يستغل الوضع العربي المتردي، وسقوط الجيوش العربية، وحالة الانكفاء في ليبيا والمغرب، واستمرار الحصار على غزة، وحالة الانقسام الفلسطيني، ما يجعل الحكومة اليمينية المتطرفة تتجه لإشعال "حرب دينية".

وبيّن أن من أهداف "الحرب الدينية" إقرار ما يُسمى التقسيم الزماني، المتمثل بتخصيص أوقات لليهود والفلسطينيين، والمكاني، عبر تفريغ الأقصى وصولًا إلى السيطرة عليه بشكل كامل.

اقرأ أيضًا: قاسم: قطع الأذان في "الأقصى" استكمال للحرب الدينية التي يشنّها الاحتلال

وأوضح أن الاحتلال يركز على المنطقة الجنوبية الشرقية ومساحتها 8 دونمات، وهي أقرب لباب المغاربة الذي تسيطر عليها شرطته، ثم بعد ذلك تأتي محاولات ما يُسمى التأسيس المعنوي للهيكل المزعوم، عبر ممارسة الطقوس كأنه موجود، مثل "السجود الملحمي" واستغلال الأعياد اليهودية.

واعتبر أن إجراءات الاحتلال كمن "يصب الزيت على النار"، فهي أدت إلى زيادة موجة المقاومة في القدس والضفة الغربية، لافتًا إلى أن الكيان شعر أنه في خطر وجودي، في حين شعر الفلسطيني أنه في أخطر حرب دينية.

وطالب القصاص بتفعيل المقاومة الإعلامية، والضغط على السلطة وصناع القرار بضرورة إيجاد إستراتيجية واضحة لحماية القدس، داعيًا الدول العربية إلى وضع إستراتيجية لمجابهة الاحتلال.

دمج المقدسيين

بدوره، أكد المختص في شؤون التعليم بالقدس زيد القيق أن الاحتلال يسعى إلى بسط سيادته الكاملة في القدس بما فيها قطاع التعليم، للسيطرة على الرواية الفلسطينية وغسل أدمغة المقدسيين، وصولًا إلى دمجهم مع الإسرائيليين.

وبيّن القيق في مداخلته عبر تطبيق "زوم"، أن التعليم يستمد قوته من قوّة المؤسسات الموجودة قبل الاحتلال، وهو ما يثبت فلسطينية وعربية وإسلامية القدس، مشيرًا إلى أن الاحتلال يسعى إلى محاربة المؤسسات التي تذكره باحتلاله، وأنه غريب على الأرض الفلسطينية.

وأوضح أن الاحتلال حاول فرض المناهج الإسرائيلية منذ احتلاله لمدينة القدس عام 1967، ما أثار غضب الفلسطينيين، ودفعهم إلى الخروج في إضرابات أجبرته على التراجع عن قرارته، ثم اتبع سياسة التهميش للتعليم ردًا على الإضراب.

اقرأ أيضًا: "التشريعي": اعتداء الاحتلال ومستوطنيه على المساجد إشعال للحرب الدينية

وأشار إلى أن الموجة الثانية من التصعيد ضد التعليم بدأت عام 2021، حينما ربط الاحتلال حصول المدارس على الترخيص بتوزيع الكتب المحرّفة، وأي مدرسة لا تلتزم بذلك سيتم إغلاقها.

وقال القيق: تزامنت هذه الموجة مع سياسات على أرض الواقع، تمثلت بالتعديل على الكتب الفلسطينية، وطمس القيم الوطنية، في حين المعركة الأخيرة تمثلت باستبدال المناهج الفلسطينية بالإسرائيلية.

وبيّن أن هذه الموجات التصعيدية تزامنت مع إطلاق ما تُسمى "الخطة الخُمسية" التي يهدف الاحتلال من خلالها إلى بث رسالة أنه ماضٍ في خطة السيطرة على التعليم، عبر دمج المواطن المقدسي في المجتمع الإسرائيلي.

وشدد القيق على أن "سياسات الاحتلال تُوجد أرضية لتصعيد المقاومة"، مشيرًا إلى أنه يضرب بعرض الحائط القوانين الدولية التي تنص على حرية التعليم.

وانتقد الدور العربي والإسلامي في تبني الرواية الفلسطينية الذي يقابله تبنيًا دوليًا وأوروبيًا للرواية الإسرائيلية. 

طمس المعالم

من جانبه، قال المختص في الشأن الإسرائيلي رجائي الكركي: إن فلسطين مرّت بعدة مراحل تاريخية مهمة بدأت منذ عام 1917، أي في مرحلة الاحتلال البريطاني، وهو ما يعني بداية المؤامرة عليها.

وأوضح الكركي خلال مداخلته أن الدين اليهودي المزعوم تضمن خزعبلات تنص على منع دخول اليهود المسجد الأقصى أو أسواره "دون طهارة"، مشيرًا إلى أن عام 1967 شكل تحولًا كبيرًا في رسم سياسات إسرائيلية جديدة تجاه المسجد الأقصى.

اقرأ أيضًا: سلهب يُحذّر من حرب دينية في القدس بسبب تصاعد اعتداءات الاحتلال

وبيّن أن الاحتلال ذهب إلى فرض بعض القوانين العنصرية المتعلقة بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والتعليم، منبّهًا إلى أنه حاول طمس المعالم الإسلامية هناك.

وبحسب الكركي، فإن عام 2000 شكّل نقطة خطيرة حينما اقتحم رئيس وزراء حكومة الاحتلال آنذاك أرئيل شارون المسجد الأقصى، واندلع على أثره الانتفاضة التي خلفت ثورة داخل الشعب الفلسطيني.

وأشار إلى أن قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين والأمنيين لم يتوقعوا ردّة فعل الشعب الفلسطيني، الأمر الذي شكّل حالة من التغيّر الواضح لصالح شعبنا، لافتًا إلى أن كل الأحزاب اليهودية من أقصى اليمين لليسار يجمعون على أن فلسطين والقدس المحتلة هي "دولة (إسرائيل) الأبدية" حسب زعمهم.

وبحسب قوله، فإن العامين الأخيرين هما الأكثر في أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى، مبينًا أن التطبيع العربي مع الاحتلال "مسألة خطيرة" شكلت ضوءًا أخضر لزيادة الانتهاكات في المسجد المبارك.