فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير ميار الفيومي.. غلبت الموت فحاصر الاحتلال جراحها

...
ميار الفيومي.. غلبت الموت فحاصر الاحتلال جراحها
غزة/ أدهم الشريف:

بألم يكسو ملامح وجهها البريء، وجراح لم تندمل بعد، ترقد الطفلة ميار الفيومي وقد خذلتها أطرافها الصغيرة عن الوقوف مجددًا، بعدما أصابتها شظايا قنابل قاتلة ألقتها مقاتلات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ففتكت بها وجعلتها حبيسة كرسي متحرك.

بالرغم من أن يدها اليسرى وساقيها مغلولة بقضبان البلاتين المغروزة في جسدها الغض، تحاول ميار أن تتحسس وجود من تبقى لها من العائلة، فلا تجد سوى الفراغ.

قبل بضعة أشهر فقط، وتحديدًا يوم الجمعة، 6 سبتمبر/ أيلول 2024، كانت ميار تلهو مع أشقائها داخل شقتهم السكنية في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، قبل أن تمطرهم الطائرات الحربية بقنابلها، مخلفة وراءها ركامًا من الأحلام والضحكات.

استشهدت والدتها فداء الفيومي (37 عامًا)، وأشقاؤها معاذ (12 عامًا)، محمد (10 أعوام)، وأصغرهم الرضيع أسعد (6 شهور)، جراء القصف الذي استهدف عمارة سكنية بقنبلتين، ما أدى إلى تدمير أربع شقق، من بينها شقة عائلة ميار.

تدرك ميار أنها نجت من الموت، لكن بثمن فادح. "ما بعرف شو صار بالضبط. أخبروني أنهم وجدوني ملقاة من الطابق الخامس في الشارع"، قالت الطفلة البالغة (9 أعوام).

"كانت فاجعة كبيرة"

في ذلك اليوم، كان والدها مهدي الفيومي (45 عامًا) قد غادر المنزل بعدما طلبت زوجته بعض الاحتياجات لتحضير طعام الغداء، في وقت لم تتوقف فيه الغارات والضربات الجوية العنيفة الممتدة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حين بدأت (إسرائيل) حرب الإبادة على غزة.

لم يمضِ وقت طويل حتى تلقى اتصالًا من أحد الجيران، يخبره بأن غارة جوية استهدفت عمارته السكنية، وأن عددًا كبيرًا من الشهداء سقطوا. "كانت فاجعة كبيرة بالنسبة لي. لم أتوقع للحظة استهداف منزل يؤوي مدنيين لا يتحملون أي ذنب"، قال والد الطفلة لصحيفة "فلسطين"، وقد اغرورقت عيناه بالدموع.

فيومي.jpg

مثل البرق، عاد مهدي إلى مكان سكنه، فكان المشهد فظيعًا. الشهداء متناثرون أرضًا، وأشلاء ممزقة في كل مكان، والركام يملأ الأرجاء.

عندما حضر المسعفون، نقلوا الجرحى أولًا في محاولة لإنقاذ حياتهم. كانت ميار تنزف بشدة، بالكاد قادرة على التقاط أنفاسها وهي غائبة عن الوعي تمامًا. أدخلها الأطباء غرفة العمليات، وخضعت لجراحات معقدة.

في الساعات الأولى لإصابتها، لم يكن أحد يعلم إن كانت ميار ستنجو، أم أنها ستلحق بوالدتها وأشقائها. حتى والدها، الذي جاء ومعه ابنته آلاء (6 أعوام)، لم يكن يعلم. كانت آلاء تلعب في بيت جيرانهم عندما استهدف جيش الاحتلال منزل عائلتها.

لكن ميار استطاعت البقاء على قيد الحياة رغم خطورة إصابتها، وكتب لها عمر جديد. "عندما استفاقت، لم أخبرها أن والدتها وأشقائها الثلاثة استشهدوا. لكنها علمت بمحض الصدفة بعد شهر، عندما كانت تمسك بهاتف عمتها وشاهدت صورهم. بكت بشدة على رحيلهم. كان المشهد أبلغ من أي كلمات"، قال والدها بأسى، وهو ينظر إلى طفلته.

ألم بلا علاج

بحجم الألم الذي يهيمن عليها، تحاول ميار التعافي بصعوبة في بيئة صحية قاسية، لا يتوفر فيها العلاج المناسب، ويحول الحصار الإسرائيلي دون سفرها لتلقي العلاج وإجراء العمليات اللازمة خارج غزة.

"لديها كسر في الجمجمة، وتهشم في عظام اليد اليسرى، وكسور في الفخذ الأيسر، وكذلك كسور حادة في الساقين من الأسفل، إضافة إلى قصر بضع سنتيمترات"، قال والدها مختصرًا الحالة الصحية لابنته الجريحة.

وأضاف: "هناك حاجة ماسة لإجراء عمليات دقيقة في مستشفى متقدم خارج غزة. هذا ما أخبرنا به الأطباء المشرفون على حالتها. ليس أمامنا متسع من الوقت، فحالتها الصحية تتفاقم يومًا بعد يوم."

لكن الاحتلال، كعادته، يقف عائقًا أمام تحويلها للعلاج. "إنها تعاني من التهابات شديدة، وتأخير سفرها لن يكون في مصلحتها مطلقًا"، يقول والدها.

"لماذا يمنعوننا من النجاة؟"

وتساءل: "ما الذي يريده الاحتلال؟ لماذا يمنع الجرحى من النجاة؟"

يثير إغلاق الاحتلال معابر غزة أمام جرحى الحرب - الذين يزيد عددهم عن 113 ألف جريح وفق معطيات رسمية - مخاوف كبيرة، وسط تداعيات خطيرة متزايدة تهدد حياتهم.

لم تخسر ميار فقط أمها وأشقاءها، بل تخسر كل يوم فرصة للنجاة من حياة الإعاقة، من مستقبل يحدّه الاحتلال والمعابر المغلقة. بين الألم والأمل، تنتظر الطفلة قرارًا قد يفتح لها أبواب العلاج، أو يتركها سجينة الجراح والحصار، تمامًا كما تركها القصف الإسرائيلي بلا أم ولا أشقاء في هذا العالم.

فهل سينتصر الأمل؟ أم أن حصار الجرحى سيكتب نهايتها كما كتب نهاية عائلتها

المصدر / فلسطين لأون لاين