ما زالت التسوية التي طرحها رئيس كيان الاحتلال يتسحاق هرتسوغ لحل الأزمة الداخلية تحظى بمزيد من النقاش، والأخذ والردّ، فبينما رفضها قادة المعارضة والاحتجاج، خاصة بيني غانتس ويائير لابيد، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رأى في خطوطها العريضة المقترحة أمرًا إيجابيًا يبنى عليه، ولعله يعلم أنه في حال تبنيه لتلك التسوية سيمنع حدوث أزمة دستورية وأمنية، فضلًا عن أن ذلك سيمنحه انتصاراً حاسماً في المعركة الدائرة ضد الانقلاب القانوني، لكن خصومه في المعارضة يخشون أن يواجهوا فخّاً جديدًا منه.
المنطلق الذي دفع قادة المعارضة هو المعادلة الصفرية القائلة بأن ما هو جيد لنتنياهو لا يمكن أن يكون جيدًا لهم أيضًا، لكن الفخ الذي كانوا يخشونه هو بالضبط ما وقعوا فيه سابقاً، من حيث الرفض الحازم الذي ردّوا به على بنود الاتفاق الواسع، وقد ألحق بهم الضرر، وأعطى نقاطاً لخصمهم في معركة الرأي العام، لكن زعماء المعارضة وقادة الاحتجاج امتطوا هذه المرة الحصان الخطأ، ما قادهم إلى المكان الخطأ، ما دفع العديد من المحافل السياسية الإسرائيلية لاتهامهم بارتكاب خطأ فادح، مع أنه لا يزال من الممكن تصحيحه.
مع العلم أن المخطط الذي أعلنه هرتسوغ يشكل لتيار عريض من معسكر يسار الوسط استجابة لمعظم ما طلبوه تقريبًا، وهو وقف فعلي للانقلاب القانوني، وتعديل قانون حجة المعقولية، لجنة اختيار القضاة لا يسيطر عليها النظام السياسي، وفي الوقت ذاته فإنه يسمح لليمين المعتدل أن ينزل عن الشجرة العالية التي رفعها وزير القضاء ياريف ليفين، الذي يقود هذا الانقلاب.
اقرأ أيضا: خطاب بارنياع يثير تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات
اقرأ أيضًا: تخوفات إسرائيلية من شعور فائض الثقة لدى "الأعداء"
بين مواقف يسار الوسط واليمين المعقول، فإن التسوية التي يقدمها هرتسوغ تبدو معقولة لمختلف الإسرائيليين، لأنها توقف الحرب المندلعة بين السلطات الحاكمة، وتضع حدًا لتضارب الصلاحيات، وتحول دون تفكك جيش الاحتلال، وتعطي المجتمع الإسرائيلي فرصة للاسترخاء بدلًا من حالة الشدّ والجذب التي يعيشها منذ تسعة أشهر. في الوقت ذاته، فإن لدى غانتس ما يكفي من أسباب وجيهة للشك في نوايا نتنياهو، لأنه عندما خاطر حين كان زعيم "أزرق أبيض" بكل شيء من أجل تشكيل حكومة وحدة معه، رماه الأخير "للكلاب"، في هذه الأزمة الحالية لا يتردد نتنياهو مرة أخرى في إثارة شكوك خصومه. أيّاً كانت مآلات التسوية التي يعرضها هرتسوغ على الائتلاف والمعارضة لحلّ هذا الاشتباك القائم، فمن الواضح أن الإسرائيليين على مسافة قريبة من أزمة رهيبة، ورغم أنهم قد لا يتركون حجراً على حجر لمنع حدوث ذلك، لكن ليس بالضرورة أن ينجحوا في ذلك، والنتيجة أن تزداد الأزمة استحكاماً وانغلاقاً.