فلسطين أون لاين

تقرير "استيديو حرفة".. انخراط بين الألوان والخيوط يمنحك "عافية"

...
استيديو حرفة
غزة/ مريم الشوبكي:

على لوح إسفنجي تجدل لين غزال ابنة السادسة عشر ربيعًا بكلتا يديها خيوطًا بنفسجية زاهية، على عود خشبي صغير، وبعد دقائق من العمل رمقت تعليقة المفاتيح طولية الشكل التي أنتجتها بابتسامة عريضة، وعيونها لمعت فرحًا حينما غلفتها بكيس نايلون شفاف. 

فضلت غزال أن تقضي وقت فراغها في دورة لصنع المكرمية داخل استيديو حرفة غرب مدينة غزة، بتشجيع من والديها على هذه الخطوة التي أكسبتها مهارة جديدة بعيدًا عن الهواتف الذكية التي تشغل جل وقتها.

تقول غزال لـ"فلسطين": "أحب تعلم الحرف، فقد تعلمت التطريز الفلاحي ذاتيًّا، كما أمتلك موهبة الرسم، ولدي موهبة في تصنيع الإكسسوارات والحقائب من الخرز، وأطمح إلى تصنيع مرايا بخيوط المكرمية".

بينما قاد الشغف إسراء بيرم مسافة طويلة من النصيرات في المحافظة الوسطى، للمشاركة في هذه الدورة، "لأن المكرميات فن مميز وغير شائع في السوق المحلي".

وتضيف بيرم لـ"فلسطين": "انجذبت نحو تعلم فن المكرمية بعدما اشتريت حقيبة يد صنعت كلها بخيوط المكرمية، وكل من شاهدها كان يسألني عن المكان الذي ابتعته منه، وهنا تشجعت لتعلم هذا الفن لأصنع لنفسي حقائب، وإكسسوارات لي ولبيتي بذوقي الخاص".

أما ملاك عطا الله طالبة تخصص التجارة باللغة الإنجليزية، فقد فضلت تعلُّم "البوهيمي" وهو فن يعنى بتصنيع الحقائب القماشية، ويعتمد على العشوائية في دمج الألوان والخيوط والزخرفة العربية والإسلامية بالفن الهندي، لإنتاج لوحة مريحة للنظر في النهاية.

وبعد ساعات من العمل استطاعت عطا الله (21 عامًا) صنع حقيبة قماشية وزينتها بقطعة من القماش، وبعض القطع النقدية الذهبية، تقول: "أجد متعة كبيرة في صناعة حقيبة ببصمتي وذوقي الخاص، وأرغب في صنع بعد القطع المميزة بأفكاري الخاصة".

وتتابع: "أنعزل عن العالم في أثناء اندماجي في نصع الملابس، والحقائب بالفن البوهيمي، وأتخلص من الطاقة السلبية، والضغوطات التي تتراكم بداخلي".

سلام نفسي

كانت سمر الغول، مدربة تلك الفتيات، تمر عليهن لإعطاء بعض الملاحظات، وتعليمهن تقنيات تمكنهم من إتقان العمل أكثر.

الغول (36 عامًا) تعمل محاضرة لتخصص التصميم الداخلي في الكلية الجامعية، وحاصلة على ماجستير في التصميم الداخلي، لديها شغف عالٍ في الحرف اليدوية التي تجد فيها سلامًا نفسيًّا.

تقول لـ"فلسطين": "منذ الطفولة وأنا بين الألوان والورق والخيوط، تعطيني هذه الحرف عافية وسلامًا نفسيًّا عالٍ، فمهما كانت الضغوط والأوضاع الأمنية صعبة، ولا سيما وقت العدوان الإسرائيلي على القطاع، أظل مشغولة في تلك الحرف والتي تفصلني عن الواقع".

وتضيف: "العدوان الإسرائيلي عام 2021 كان نقطة انطلاق نحو المجتمع، لتعريف النساء والفتيات والأطفال والشباب بالعديد من الحرف التي تشغل وقت فراغهم، فقد استضفت عائلات هربت من نيران الاحتلال إلى بيتي، وكان الخوف والرعب باديًا على الأطفال والنساء".

وتتابع الغول: "لذا قررت أخذهم إلى دائرتي وإشغال وقتهم بتعلم فن المكرميات، وبالفعل اندمجوا ونسوا الخوف، وانشغلوا عن أصوات الصواريخ الإسرائيلية التي لم تهدأ، وقد لمست تحسنًا كبيرًا على حالتهم النفسية".

ومن هنا قررت الغول الإعلان عن دورات لتعليم هذه الحرف لكل من يرغب في ذلك، فأطلقت استديو "حرفة"، لتعليم فن "المكرميات"، والسيراميك، والخزف، والنول، ودمى الخيوط.

وتوضح أنها تعلمت كل هذه الحرف بمجهود ذاتي، وساعدتها مهاراتها الفنية على سرعة الإتقان، مشيرة إلى أنها كانت توجد بدائل للخيوط والأدوات غير المتوفرة في الأسواق الفلسطينية.

تلفت الغول إلى أنها استخدمت حبال الغسيل في تعلم فن المكرمية، لعدم توافر الخيوطة القطنية في البداية، ولاحقاً تمكنت من استيرادها بعد سفرها لتركيا المشهورة بهذا الفن، ووفرت كميات لبيعها للزبائن.

ألوان بلا إدمان

وتضيف أنها تفاجأت بإقبال السيدات والأطفال على تعلم فن السيراميك، اللواتي وجدن متعة في تصنيع الإكسسوارات من ميداليات، وأقراط، وعقود.

ولدى سؤالها عن دوافع السيدات وحرصهن على اصطحاب أطفالهن لدورات الحرف، تجيب: "بعض الأمهات تريد تعزيز ثقافة الأمان المالي لطفلاتهن بأن يكون لهن مشروعهن الخاص، والأهم من ذلك سحبهن من إدمان الهواتف الذكية، نحو عالم الألوان والحرف للتفريغ النفسي".

وتنبه الغول على أنها قررت تبني المواهب المميزة لدى الأطفال، لتعليمهم الحرف بأنواعها بنصف الثمن، ومن أجل تخريج جيل موهوب للمجتمع.

وتختم قولها: "جميعنا نهتم بالأساسيات ونغفل الكماليات التي تعيد لنا التوازن النفسي، لذا أدعو الجميع إلى الاهتمام بالكماليات بالتوازي مع أساسيتنا، ففكرة أن ننخرط بين الألوان، والخيوط بدون قواعد يمنح الشخص سلامًا نفسيًّا".