أبدت لجنة الانتخابات المركزية جهوزيتها لإجراء الانتخابات المحلية عقب اللقاء الوطني التشاوري الذي جرى في غزة، وأكد فيه جميع الحضور ضرورة إجراء انتخابات محلية، وذلك بعد أن "عجز الجميع" عجزًا غير مبرر على الإطلاق، عن إقناع أو إجبار أو حتى تجاوز أبي مازن الذي يرفض إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وكأن إرادة الشعب الفلسطيني وحقه الدستوري في اختيار رئيسه وممثليه في البرلمان أصبح مرهونًا بإرادة شخص واحد اعتلى كرسي الرئاسة منذ ثمانية عشر عامًا، رغم أن القانون الأساسي وقانون الانتخابات العامة ينصان على أن مدة الرئاسة هي أربع سنوات، ويحق للرئيس ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية على ألّا يشغل منصب الرئاسة أكثر من دورتين متتاليتين. إلا أن أبا مازن يرفض ترك كرسي الرئاسة بأي حال من الأحوال رغم أنه قد بلغ من الكبر عتيًا.
على كل الأموال وعودًا على بدء، فقد أبدت لجنة الانتخابات المركزية جهوزيتها لإجراء الانتخابات، ولكنها علقت مباشرة الإجراءات على صدور قرار من مجلس الوزراء، وهذا موقف صحيح وفقًا للمادة (4) فقرة (1) من قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة (2005) الذي نص على أن "تُجرى الانتخابات المحلية في جميع المجالس في يوم واحد، كل أربع سنوات بقرار من مجلس الوزراء"، وقد عدلت هذه المادة بموجب القرار بقانون رقم (8) لسنة (2012) الصادر عن أبي مازن في المادة (2) فقرة (2) التي تنص على: "في حال تعذر إجراء انتخابات المجالس وفقًا للفقرة (1) يجوز لمجلس الوزراء إصدار قرار بإجراء الانتخابات على مراحل وفقًا لما تقتضيه المصلحة العامة.
اقرأ أيضًا: مرحبًا بالانتخابات المحلية
اقرأ أيضًا: الانتخابات المحلية استحقاق ديمقراطي ومطلب وطني
على كل الأحوال، فإن إعلان لجنة الانتخابات جهوزيتها لإجراء الانتخابات، يعطي إشارة جيدة ولكنها ليست كافية، لأن القرار بإجراء الانتخابات المحلية يبقى في يد مجلس الوزراء الذي لا يستطيع أن يتخذ أي قرار على هذه الشاكلة دون الرجوع لأبي مازن، وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم تصدر أي إشارة عن مجلس الوزراء حول هذه القضية الوطنية، ويبدو أن السيد سنينة ينتظر قرار أبي مازن بالخصوص، وأنا شخصيًا لست متفائلًا كثيرًا، لأن أبا مازن عوّدنا أن يتخذ كل ما هو محبط للشعب الفلسطيني من قرارات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى خشيته من نجاح تجربة الانتخابات المحلية قد يؤدي إلى تحريك المياه الراكدة للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهذا ما لا يريده. وأظن أن الحراك الوطني الفعال الذي عبر عن رغبة عارمة في إجراء الانتخابات المحلية ينبغي أن يُحترم من مجلس الوزراء، وألا يصُم السيد اشتية أذنيه عنه، لكونه يُمثل الإرادة الشعبية التي يجب أن تسمو وتُقدَّم على إرادة الأشخاص، أيًا كانت المناصب التي يتبوؤونها، وبغض النظر عن شرعية أم عدم شرعية وجودهم في تلك المناصب.
الحراك الوطني الذي عبر عنه اللقاء التشاوري والذي أفضى إلى ضرورة إجراء الانتخابات المحلية، يجب ألّا يكرر مأساة أو مهزلة "تعطيل الانتخابات التشريعية" التي افتعلها أبو مازن بقرار فردي جاء بإيحاءات من حكومة الاحتلال وبعض من الحكومات الإقليمية والغربية، ولكن برغبة جامحة شخصية من أبي مازن. وعليه أظن أن الحراك الشعبي والفصائلي يجب ألّا يتوقف كثيرًا عند قرار مجلس الوزراء إذا لم يصدر بالامتثال للإرادة الشعبية، والذي سوف تلتزم به بلا شك لجنة الانتخابات المركزية برئاسة السيد حنا ناصر التي للأسف رغم النص في القانون على استقلاليتها إلا أنها حادت عن هذه الاستقلالية واستجابت لقرار أبي مازن في مايو 2021 وأوقفت الانتخابات التشريعية قبل يوم واحد من بدء الدعاية الانتخابية، رغم أن أبا مازن قانونًا لا يملك إصدار مثل هذا القرار، وكان عليها بموجب استقلاليتها المنصوص عليها في القانون أن تحترم هذه الاستقلالية وتمضي قدمًا في إنقاذ رغبة وإرادة الشعب الفلسطيني، ولكنها لم تفعل. وأمام هذه الحقائق وما أتوقعه من عدم الاستجابة للرغبة والإرادة الشعبية بإجراء الانتخابات، فإنني أكرر اقتراحي الذي ذكرته في مقال سابق بأن يُنفذ الشعب الفلسطيني إرادته التي تسمو على كل إرادة وفقًا للقانون الأساسي الذي ينص في المادة الثانية على: "الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في القانون الأساسي".
فإذا كان الشعب هو مصدر السلطات، فيستطيع هذا الشعب باعتباره مصدرًا لكل سلطة، أن يقرر تشكيل لجنة انتخابات شعبية توافقية تشرف على عملية الانتخابات وتديرها تحت رقابة محلية ودولية ليشهد العالم كله بنزاهتها ويفرض بذلك أمرًا واقعًا يكسر به قيد التفرد الذي يمارسه أبو مازن منذ ثمانية عشر عامًا. فإذا ما أراد الشعب فاستجابة القدر لا بد أن تكون حاضرة.