فلسطين أون لاين

هل تكفي رسالة الضمانات الفصائلية لإجراء الانتخابات البلدية؟

أرسلت الفصائل الوطنية والإسلامية رسالة الضمانات التي طلبها السيد محمد اشتية رئيس الوزراء في رام الله، بعد لقائها رئيس لجنة الانتخابات المركزية السيد حنا ناصر في غزة، وقد عبرت الفصائل مجتمعةً عن رغبتها في إجراء الانتخابات، وقدمت للسيد اشتية الضمانات التي أقرت جميعها في رسالة الضمانات تلك أنها توافق على إجراء الانتخابات البلدية وفقاً لما تم الاتفاق عليه سابقاً عند الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية في 2021م التي لم تجرِ بقرار من أبي مازن. رسالة الضمانات تلك التي طلبها اشتية لم يكن يقصد بها الفصائل الفلسطينية كافة، وإنما كان يقصد حركة حماس على وجه التحديد، باعتبارها من يحكم قطاع غزة فعلياً رغم أنه لم يكن بحاجة لمثل هذه الرسالة فيما لو أصدر قراراً وفقاً للقانون الذي يعطيه هذا الاختصاص، وكانت ستلتزم به لجنة الانتخابات المركزية، وتبدأ العملية دون أي مشكلة، ولكن ما السبب الذي من أجله طلب اشتية هذه الرسالة؟ أزعم أن السبب لا يرجع لاشتية، ولكنه يرجع لأبي مازن الذي هو بحاجة دائماً لأن يعزز شرعية وجوده في كرسي الرئاسة الذي مضى عليه نحو ثمانية عشر عاماً دون أي انتخابات، وعليه يستطيع أن يتقدم بمثل هذه الرسالة للإدارة الأمريكية وللاحتلال على أنه  يمثل الشعب الفلسطيني كافة، ولديه شرعية في هذا السياق تعززها من وجهة نظره رسالة الضمانات تلك، خاصة وأنه يجابه دائماً من قبل الاحتلال والإدارة الأمريكية بأنه لا يملك الشرعية التي تؤهله للتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وعلى كل الأحوال وبعيداً عن مرامي أبي مازن السياسية من رسالة الضمانات تلك، فإن ما يلفت النظر -حتى كتابة هذا المقال- هو أن مجلس الوزراء الفلسطيني ممثلاً برئيسه محمد اشتية لم يصدر عنه أي قرار رغم حصوله على ما يريد، وأظن أن السبب في ذلك معروف لعموم الفصائل والقوى الفلسطينية، ذلك أن صاحب القرار في الأساس هو أبو مازن وليس اشتية، ويبدو أن اشتية ينتظر القرار من أبي مازن ليتصرف على نحو ما يريد الأخير.

ولكن من حقنا أن نتساءل في الأصل: من الذي يريد ضمانة ممن؟ ألم يطلب أبو مازن رسالة ضمانات عندما تم التوافق الوطني على إجراء الانتخابات التشريعية، وتم إرسال الرسالة حسب طلبه، لكنه نكص على عقبيه وضرب بعرض الحائط كافة التوافقات الوطنية وقرر من طرف واحد ودون التشاور مع الفصائل إلغاء الانتخابات التشريعية رغم مناشدة الكل الوطني له بالسير قدمًا فيها؟ ثم ألم يقم هو نفسه بإلغاء الانتخابات البلدية في عام 2016م عقب الطعن في بعض القوائم المرشحة المحسوبة على حركة فتح بدعوى أن القضاء والشرطة في غزة غير شرعيين رغم الاتفاق المسبق على أن تكون محاكم البداية في كل منطقة هي المحكمة المختصة بالنظر في الطعون الانتخابية، وأن الأمن في كل منطقة هو المسؤول على تأمين العملية الانتخابية؟ ألم يستنكف أبو مازن عن تنفيذ قرار المحكمة الدستورية التي أصدرت قرارًا بحل المجلس التشريعي (رغم تجاوز المحكمة في قرارها للنص الدستوري الصريح بعدم جواز حل المجلس حتى في حالات الطوارئ) وإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، وذلك منذ عام 2018م، حيث نفذ الجزء الذي يرغب فيه من قرار المحكمة وحل المجلس التشريعي واستنكف عن تنفيذ الجزء الثاني وهو الأهم، بإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر؟ في ظل هذه المعطيات أتساءل مرة أخرى: من هو الذي يحتاج إلى رسالة ضمانات، هل هو الشعب الفلسطيني المحروم من حقه الدستوري بقرار من شخص انتهت مدة ولايته منذ عام 2009م وما زال رغمًا عن إرادة الشعب الفلسطيني يتحكم في القرار السياسي والإداري والأمني والمالي والقانوني، ويهيمن على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية دون وجه حق، أم أن الذي يحتاج إلى الضمانات من يحتكر كل تلك السلطات ويعطل الانتخابات؟

أظن أن أبا مازن ليس في وارد إجراء أي انتخابات سواء بلدية أو تشريعية أو رئاسية، لكونه يعلم يقينا أن الانتخابات تعني بداية مرحلة الأفول لعصر مصادرة القرار الوطني لحسابه الشخصي الذي يحتكره منذ عام 2005م، ويأبى حتى اللحظة أن يفرط فيه، وما تلك المناورات إلا ليحصل منها على ما يريده، وهو كعادته يضرب بعرض الحائط ما يريده الشعب الفلسطيني وفصائله، وهذا ما مارسه طوال الفترة السابقة دون أن يرف له جفن.