فلسطين أون لاين

الدور الإسرائيلي في جريمة المسِّ بالقرآن الكريم

برزت تقارير ذات صدقية بشأن دور إسرائيلي استخباري في جرائم المس بالقرآن الكريم، التي حدثت في الآونة الأخيرة على أيدي عراقيين متطرفين في السويد والدنمارك. يُذكر أنه في مطلع العام الجاري، أقدم سياسي دنماركي يميني، يُدعى راسموس بالودان، على إحراق القرآن الكريم في العاصمة السويدية ستوكهولم، وسبقت هذه الجريمة أيضاً جرائم شنيعة أخرى ارتكبها متطرفون في النرويج والدنمارك بحق القرآن الكريم، وفي السياسة، لا يمكن استبعاد تقدير وجود دور لجهاز الموساد في هذه الجرائم، لأن (إسرائيل)، التي تَعُدّ الإسلام عدواً لدوداً لها، وتعمل على محاربته منذ عقود، تنتهز كل فرصة في الإساءة إلى كتاب المسلمين المقدّس، القرآن الكريم، وإشعال الفتن بين المسلمين والمسيحيين، كتجسيد لعداوة اليهود التاريخية لشعوب هذه المنطقة ومقدّساتها.

فهل هناك فعلاً دور إسرائيلي استخباري في دفع العراقي السرياني سلوان موميكا إلى ارتكاب إساءات متكرّرة إلى القرآن الكريم؟ وما الأهداف السياسية الإسرائيلية المضمَرة في تشجيع هذه الحركة الاستعراضية الخبيثة للعراقي، الذي وصف نفسه بالملحد والمشكّك في كلّ شيء؟!

كانت إيران أول دولة تكشف وجود علاقة بين جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) والعراقي المسيء إلى القرآن الكريم في السويد. لقد كشفت وزارة الأمن الإيرانية، في بيان، أنه، بناءً على معلومات موثوق بها، تم الحصول عليها، وُلد سلوان موميكا في العراق عام 1986، وعمل في خدمة الموساد الإسرائيلي عام 2019.

اقرأ أيضًا: النور العظيم لن يطفئ بحرق المصحف

اقرأ أيضًا: من جرّأ السويد على حرق القرآن؟

وتابع البيان أنّ موميكا نقل المعلومات عن فصائل المقاومة العراقية إلى الاستخبارات الصهيونية، في إطار مشروع تقسيم العراق، وبعد مكوثه في السويد، واصل مهمّاته لمصلحة الكيان الصهيوني وفق ظروفه الجديدة، وأضاف أن "هذا الشخص المتجاسر على القرآن الكريم، بذل جهوداً كثيرة لأجل التواصل مع الكيان الصهيوني الغاصب، وقدّم سجلّه الأسود ليتم قبوله عميلاً في خدمة جهاز التجسس "الإسرائيلي"، وعرّف نفسه في هذا السياق بأنه معارض لشيعة العراق، كما ادّعى أن المقاومة العراقية اعتقلته بسبب تعامله مع الصهاينة وجهوده لتشكيل حزب باسم "المسيحيين في محافظة نينوى".

وأردفت وزارة الأمن الإيرانية: "ومن أجل إثبات ولائه وانصیاعه للكيان الغاصب، التقط موميكا صوراً فوتوغرافية لنفسه وهو يرتدي غطاء رأس "كيباه" (قبّعة صغيرة ومستديرة الشكل، يرتديها الرجال اليهود الأرثوذكسيون)، كما وضع علم الكيان الصهيوني إلى جانب علم حزبه المزعوم "الاتحاد الديمقراطي السرياني"، وأرسل هذه الصور إلى الصهاينة".

وفي السياق، قال الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، إن اللاجئ العراقي سلوان موميكا، الذي أحرق نسخة عن كتاب القرآن الكريم في السويد، له علاقة بالموساد الإسرائيلي، جاء ذلك خلال كلمة تلفزيونية له بمناسبة ذكرى حرب تموز/يوليو 2006.

وأوضح نصر الله أن "الشخص الذي أحرق المصحف الشريف في السويد له علاقة بالموساد الإسرائيلي، وهدفه بثّ الفتنة بين المسلمين والمسيحيين".

كذلك، أوردت تقارير غربية أن سلوان موميكا مرتبط بحزب "هارلد لاين" الدانماركي المتطرف ومنظمة "باكيتة" الألمانية العنصرية، وكلاهما مرتبط بعناصر من جهاز الموساد الإسرائيلي. وكانت الجهتان مرافقتين له في جريمتي إحراق القرآن الكريم الأولى والثانية، ووضعتا له "هاتف طوارئ" للاتصال بهما في حالة تعرّضه لأي تهديد، وقدّمتا إليه مرافقين يقدّمون إليه النصائح لحماية نفسه من التهديدات، بعد أن ترك سكنه واستقرّ في قرية في أطراف استوكهولم، وأُخضِع لتدريبات استخبارية بشأن كيفية القيام بجرائمه ومخاطبة الجمهور. وتعهدوا حمايته وتصفيته في الوقت نفسه في حالة التراجع عن تنفيذ جرائمه، بعد أن أخبر بعض المقرّبين إليه بذلك.

من جهته، موميكا، الذي اتّهمه الجانب الإيراني بالعمل لمصلحة الموساد، قال: «أريد أن أُظهِر للعالم أن القرآن أخطر من الأسلحة النووية. أريد أن يتم حظره، أو أن تتم إزالة الآيات بشأن القتل والتحريض»!

إذاً على رغم التكتّم الشديد من جانب الكيان الإسرائيلي بشأن دور الموساد في تجنيد العراقي موميكا، أو تشجيعه على ارتكاب إساءات متكرّرة إلى القرآن الكريم، نتيجة دواعٍ معروفة، فإن السياق العام للأحداث الأخيرة، ومواقف موميكا المتطرفة من القرآن، والتي تتماثل مع مواقف المتطرفين الصهاينة، المعلنة على الأقل، أمرٌ يكشف وجود مصلحة إسرائيلية مباشرة في تحرّكات موميكا الأخيرة، على مستوى مواجهة العداء الإسلامي المتنامي للكيان الإسرائيلي وللصهيونية عموماً، من خلال "أدوات محليّة"، من أجل إبعاد الشبهات، من ناحية، ولتسعير النزاعات الداخلية في بلاد المسلمين، وبما يُبعد أو يقلّص المخاطر على كيان الاحتلال، من ناحية أخرى.

ولنتوقف هنا عند عبارة العراقي الملحد بأن القرآن الكريم "أخطر من السلاح النووي"، والتي ردّد عبارات مشابهة لها قادة صهاينة منذ عقود أو أعوام.

فديفيد بن غوريون، أوّل رئيس لـ(إسرائيل)، يقول: نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً، وبدأ يتململ من جديد. 

أما شمعون بيريس - رئيس الكيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق - فيقول: "إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً سيفه! ولن نطمئنّ على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد".

ويصف الحاخام المقبور، عوفاديا يوسف، مؤسّس حزب "شاس"، ومُمثِّل اليهود المُستجلبين من المغرب، العرب والمسلمين بأنهم أفاعٍ رقطاء. وأضاف، خلال درس ديني بشأن موضوع عيد الـ "حانوكا" اليهودي، قائلاً عن المسلمين: "إنّهم حمقى، ودينهم مقرفٌ مثلهم".

إن الإسلام، وتحديداً القرآن الكريم، بما احتوى عليه من نظم هداية وحياة وتشريعات مستقيمة تنسجم مع قِيم الحق والخير والعدل، أصبح يمثّل مشكلة وعقبة تقفان سداً منيعاً أمام الأحلام والطموحات الصهيونية، وتَحُولان دون إحكام سيطرتها التامّة على الأمّة الإسلامية. وهذا ما ترفضه الصهيونية العالمية: أميركا و(إسرائيل) باعتبارها الرمز المتجسد للطاغوت والشر، ويدفعها بين الفينة والأخرى إلى مهاجمة الإسلام من دون غيره من الأديان. 

أمّا على مستوى الممارسات، فيتشابه عمل موميكا الإجرامي بحق القرآن الكريم مع جرائم اليهود المتطرفين الذين يهاجمون الإسلام وكتاب الله، ويسخرون من أتباعه في كل حين.

وكمثال، قام مستوطنون في العام الماضي (10/10/2022) بإحراق نسخ عن القرآن وتمزيقها وإلقائها في حاوية نفايات، في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلّة، وفق ما أعلن مسؤول في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية.

وأضاف نضال الجعبري، مدير دائرة الأوقاف في الخليل، إن "مستوطنين إسرائيليين أقدموا على رمي نسخ عن القرآن الكريم في النفايات وإحراق إحداها" قرب مسجد قيطون في البلدة القديمة.

ووفق الجعبري فإن "إحراق النسخ القرآنية وتمزيقها تما، على الأرجح، خلال الاحتفال بالأعياد اليهودية".

إذاً، على رغم التعتيم، إعلامياً وسياسياً، من جانب الكيان الإسرائيلي، على دور محتمل للموساد في جرائم المس بكتاب المسلمين المقدّس الأخيرة، والذي ستنكشف تفاصيله يوماً ما، فإن تسلسل الأحداث المرتبطة بهذه القضية، ربما منذ حادثة أو جريمة الاستهزاء بالرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) في فرنسا قبل أعوام، من جانب مجلة "شارلي إيبدو"، والتي كرّرتها المجلة المذكورة عدة مرّات، والتداعيات التي تسبّبت بها، وخصوصاً على مستوى توجيه الإهانة الكبرى إلى كلّ المسلمين الذين يعدّون ربع سكّان العالم، كلّها ترجّح وقوف دول وأجهزة استخبارية متمرّسة وراء أحداث كهذه، وفي طليعتها جهاز الموساد، حيث يوجد تقاطع مصالح أو حتى تطابق بين الكيان الإسرائيلي وأغلبية الدول الأوروبية، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، في مواجهة النهوض الإسلامي العالمي، الذي يصمونه بـ"الإرهاب"، كونه بات يهدّد هذه الكيانات والأنظمة في أسس وجودها واستمرارها، في ظل الانتشار المذهل للإسلام خلال العقود الفائتة في قلب البيئات الغربية وغيرها.

من هنا، يمكن فهم مغزى الإصرار السويدي (والأوروبي) على حماية مُرتكبي جرائم المس بالقرآن الكريم والرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم)، على رغم الاحتجاجات العارمة من مسلمي العالم، كي لا يُفسّر أي موقف سياسي، حازم وعملي، من جانب الحكومات الغربية من هذه القضية، كتراجع أمام المسلمين، دولاً وشعوباً وحركات منظّمة!

ختاماً، يمكن قراءة التحرّكات الأخيرة للعراقي "الملحد"، سلوان موميكا، الذي لم يتجرّأ - يا للغرابة - على إحراق كتب المسيحيين أو اليهود المقدّسة حتى الآن، كجزء من المحاولات اليائسة، لكن الخطيرة، لإرباك الساحات الإسلامية والعربية، وتأجيج النزاعات بين مكوّناتها الدينية والمذهبية المتعددة، في إطار المشروع الصهيوني - الغربي التاريخي لتقسيم بلاد المسلمين وضرب قِيمهم الدينية والأخلاقية، وبما يتيح لقادة هذا المشروع السيطرة النهائية على مقدّرات المنطقة الهائلة، بحسب تصوراتهم الحمقاء.

المصدر / الميادين