في ظل محاربة الإسلام وإعلان الحرب الدينية المشرعة ضد الإسلام والمسلمين في بقاع الأرض منذ أكثر من عقدين، تستمر الاعتداء على المقدسات الإسلامية وتنفيذ الهجمات الانتحارية في المساجد وتصفية العلماء ورجال الدين وسحب الجنسيات والملاحقة والمطاردة عبر الإنتربول الدولي، وتشكيل جماعات ومافيات تحمل مسميات إسلامية هدفها تشويه وتدمير ومحاربة ديننا وعقيدتنا، وآخرها إحراق كتاب الله ذلك النور العظيم للأمة والعالم جميعًا، فقد ظهرت قضية إحراق كتاب الله من سويسرا عام 2010 لمنعها بناء المساجد وإقامة الآذان على أراضيها، التي تلاها حرق المصحف الشريف فيها، ثم انتشرت في عدد من البلدان الأوروبية منها فرنسا وهولندا والدنمارك والسويد، ومن المعلوم بأن تلك الأفعال لا ينفذها شخص ما بعينه، إلا ويكون خلفه جهة معادية ومقصود هدفها لتشويه الإسلام وإظهاره بالإرهاب ومعاداة المسلمين ومحاربتهم، إلا أن الله جل جلاله يهدي من يشاء من عباده، فكلما أرادوا أن يكيدوا للإسلام تفاجئوا بقوة الله الحافظ لدينه وكتابه وانتشار النور لهداية العباد واعتناق العديد من الناس للإسلام في عكس ما يسعون له، وهنا ظهرت حادثة القس الذي أعلن إسلامه قبل بضع أشهر ثم يتوجه هو وكل أتباعه لتأدية فريضة الحج وأكثر شيء مؤثر في قصته هو تردده في إخبار أتباعه، ثم عندما أخبرهم تفاجأ بأنهم جميعًا قبلوا ودخلوا في دين الإسلام فورًا بفضل الله تعالى، وإذ إنني استحضرت قوله تعالى: "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا" وكأنها رسالة ومعجزة إلهية من المولى، كلما أرادوا أن يطفئوا نوره جعل الله الهداية في قلوب البشر ليبحثوا عن الدين والقرآن، هاربين من معتقداتهم وبلادهم ملتجئين إلى عقيدة وبلاد الإسلام مهللين مكبرين موحدين مسلمين.
مرَّت علاقات المسلمين بالسويد بمنعطفات كثيرة عبر التاريخ، أشبه ما تمثل بالمد والجزر، منها الهجوم على العالم الإسلامي في أهم معاقله الأوروبية في الأندلس، ثم التهادن والتحالف مع معقل آخر وهو الدولة العثمانية في أوج قوتها، وأخيرًا تطورت هذه العلاقة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واحتياج العديد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا والسويد وهولندا وغيرها إلى الأيدي العاملة التي وجدتها في المسلمين القادمين من تركيا والهند وباكستان والعراق وغيرها، هذه الحوادث لا تخلو من ارتباطها بظاهرة الإسلاموفوبيا التي تظهر في السلوك والخطاب الإعلامي والأكاديمي والثقافي والاجتماعي في الغرب، وينشأ عنها استهداف مقدسات الإسلام في القرآن والمساجد والحجاب والأطفال، ومن المؤكد أن كل هذه الوقائع التي باتت ظواهر متنامية ومتصاعدة التأثر في العالم الغربي، والسويد من جملتها في السنوات العشرين الأخيرة، تستدعي سؤالًا مهما عن علاقة السويد بالإسلام، وكيف تعرفت عليه، وكيف دخل الإسلام ذلك البلد حتى أصبح عدد المسلمين في السويد اليوم يقترب من 10% من عدد السكان البالغ عددهم 10.5 ملايين نسمة.
اقرأ أيضًا: السويد تعود إلى ثقافة الصليبيين
اقرأ أيضًا: من جرّأ السويد على حرق القرآن؟
ومنذ سبعينيات القرن العشرين، ومع موجة هجرة الأيدي العاملة من المسلمين إلى السويد، بدأ المسلمون في بناء المساجد في كبريات المدن السويدية، مثل ستوكهولم ومالمو وأوبسالا وغيرها، فضلًا عن شراء العديد من الكنائس وتحويلها إلى مساجد، وانتشار ظاهرة "مساجد القبو"، ثم كثُرت المنظمات والمراكز الإسلامية في أهم المدن السويدية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، وزادت أعداد المهاجرين المسلمين القادمين من فلسطين عقب الانتفاضة ومن العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ومن سوريا بعد اندلاع الأزمة بنسب لافتة، إذ يُمثِّل المسلمون اليوم ما بين 8-10% من عدد السكان البالغ عددهم 10.5 ملايين نسمة.
إن موضوع تاريخ المسلمين بأوروبا، ولا سيما الوجود الإسلامي في المجتمعات الأوروبية منذ القرن العشرين إلى يومنا هذا، ومستقبله في ظل التحديات الخطيرة الأخيرة، يحتاج إلى تسليط الضوء البحثي عليه، ولا سيما وقد أصبح الهجوم على المقدسات الإسلامية هدفًا متطرفًا في ذاته، وربما لهذا السبب قررت حكومة كندا مؤخرًا تعيين مستشارة لمكافحة الإسلاموفوبيا، وهي خطوة تحتاج إلى خطوات أكبر لحماية الإسلام والمسلمين في الغرب.
حوادث مثل استهداف مقدسات الإسلام في القرآن والمساجد والحجاب والأطفال لا تخلو من ارتباطها بظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تظهر في السلوك والخطاب الإعلامي والأكاديمي والثقافي والاجتماعي في الغرب، وإذا ما أردنا أن نفسِّر الأسباب الكامنة وراء زيادة العداء للإسلام بصورة أشمل، بعيدًا عن التاريخ والواقع السويدي مع الإسلام، تبقى ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في القارة الأوروبية والغرب عامة أداةً تحليليةً مهمةً لا يمكن تجاوزها في هذا السياق، إذ تغذي كراهية الإسلام والمسلمين في الغرب مؤسسات فاعلة إعلامية وثقافية ومتطرفون يمينيون وجدوا بيئة خصبة في السنوات الأخيرة مع الصعود السياسي لقوى اليمين المتطرف، وعلى رأسها حزب "ديمقراطيو السويد"، الحزب المناهض للهجرة الذي حل في المركز الثاني بالانتخابات السويدية الأخيرة.
فلماذا تتكرر وقائع حرق المصحف الشريف في السويد؟ أحرق متطرف سويدي نسخة من المصحف الشريف في العاصمة السويدية ستوكهولم، يوم الأربعاء أول أيام عيد الأضحى المبارك، أمام مسجد ستوكهولم المركزي، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحًا بفعل ذلك، في إثر قرار قضائي، وهو ما أثار ردود فعل مستنكرة عربيًا وعالميًا، استهجنت الفعل وعدته اعتداءً خطيرًا وانتهاكًا صارخًا وتجاوزًا للخطوط الحمراء، وقد تسلط الضوء لتكرار وقائع الإساءة للإسلام وحرق المصحف الشريف على تاريخ العلاقة بين السويد والإسلام التي لم تكن طيلة مسارها على هذا القدر من الاضطراب والعداء، ففي الأيام والأسابيع الأخيرة وقعت حوادث مؤسفة في دولتي السويد وهولندا تجاه مشاعر المسلمين والاعتداء على معتقداتهم الدينية، إذ تكررت واقعة حرق القرآن الكريم على يد جماعات يمينية متشددة منها حركة "سترام كورس" التي يقودها اليميني الدنماركي السويدي "راسموسن بالودان"، الذي حرق المصحف بنفسه عام 2017 أكثر من مرة في الدنمارك، وفي شهر إبريل/نيسان من العام الماضي 2022 حرق مع أعضاء جماعته المتشددة نسخة من القرآن في مدينة مالمو ثم في مدينة لينشوبينغ بالسويد، ثم في يناير/كانون الثاني 2023 حرق نسخة أخرى من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم، وهي الحادثة التي وقعت تحت سمع وحراسة الشرطة والحكومة السويدية، ومن غير الطبيعي أن تلك الحوادث يتجرأ على تنفيذها شخص أو جماعة أو مؤسسة دولية أو منظمة عالمية، وإنما لا بد وأن هناك دعم مجهول من جهات خارجية كبرى تمثل ضغط مستمر لأهداف معينة مثل اللوبي الصهيوني والامبراطورية الرأسمالية، وبالرغم من تكرر هذه الحوادث التي تستهدف الإسلام في أهم وأعظم أصوله ومقدساته، لا يكاد يُسمح في هذه البلدان باستهداف مماثل لنشاط المثليين وغيرها من موضوعات باتت مُجرَّمةً بنص القانون الغربي، بل الأغرب من ذلك استهداف مؤسسة السوسيال (الشؤون الاجتماعية) السويدية لأطفال المسلمين بحجج واهية وخطفهم من أسرهم بحجة القلق على مستقبلهم، أو حمايتهم من المعاملة القاسية التي يتعرضون لها، وإعطاؤهم لأسر أخرى غير مسلمة، بل وإعطاؤهم لمثليين جنسيًا لرعايتهم ، بعدما كشف الستار عن ممارسات جنسية فظيعة كُشِف عنها في الأشهر الأخيرة بالسويد وبعض البلدان الأوروبية.
قال الله جل جلاله: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، تفسير الآية العظيمة جسدت مشهد يبهج قلب كل مسلم، بعد ارتفاع آلاف المصاحف في السويد، بالأمس حرقوا مصحفًا واحدًا، واليوم صعد النور ليجوب مدن السويد ويجتاح دول أوروبا، فقد خرج مئات الآلاف من المسلمين في السويد باعتصام سلمي ارتفعت فيه آلاف المصاحف الشريفة في مدينة مالمو السويدية وقراءة جماعية للقرآن الكريم، فكلما تحاولون طمس كتاب الله يزدهر أكثر هذا هو معنى قوله تعالى: "وإنا له لحافظون".