عكس تنفيذ المقاومة الفلسطينية سلسلة عمليات نوعية في وقت متزامن، وفي عمق المناطق الواقعة تحت سيطرة جيش الاحتلال شمالي قطاع غزة وجنوبه، التي يعدُّها الاحتلال "مناطق عازلة"، تفوق المقاومة وتعدد أنماطها القتالية، في المقابل أظهرت العمليات ارتباك الاحتلال وكشفت نقاط ضعفه.
وتشير كمائن المقاومة التي استهدفت قوات الاحتلال مساء الجمعة، في بيت حانون وحيي الشجاعية والتفاح ورفح، على الرغم من كثافة قصف الاحتلال والتدمير الواسع في تلك المناطق، إلى نجاعة تكتيكات المقاومة من جهة، وفشل الاحتلال في تأمين مناطق لطالما ادعى إحكام سيطرته عليها.
وأعلنت كتائب القسام، مساء أول من أمس، عن تمكن مقاتليها من قنص أربعة من ضباط وجنود الاحتلال، وأوقعتهم بين قتيل وجريح في شارع العودة شرق بيت حانون. وقالت القسام إن هذه العملية تأتي استكمالًا لكمين "كسر السيف" الذي أدى إلى مقتل جندي وإصابة آخرين لدى استهداف آليتهم وقوة الإسناد التي هرعت لإنقاذهم في المنطقة ذاتها.
كما أعلنت القسام عن تمكن مقاتليها الجمعة من استهداف قوة خاصة للاحتلال تحصنت داخل أحد المنازل بعدد من قذائف الـ"RPG" و"الياسين 105"، والاشتباك معها بالأسلحة الرشاشة، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف القوة بحي الشجاعية شرق غزة.
ومساء الجمعة، قال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، إن "مجاهدي القسام يخوضون معارك بطولية وينفذون كمائن محكمة، ويتربصون بقوات العدو لإيقاعها بمقتلة محققة في المكان والتوقيت والطريقة التي يختارونها".
ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد لصحيفة "فلسطين"، إن كمائن بيت حانون والشجاعية وتل السلطان تؤكد أن المقاومة تنتشر في كل القطاع ولا تنحصر في منطقة واحدة، لافتًا إلى أن العقد القتالية باتت أكثر مرونة ضمن مبدأ التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي.
وأشار أبو زيد إلى أن خروج المقاومة من حالة "الكمون التكتيكي" إلى "النشاط العملياتي" يؤكد أن المقاومة درست خطوات الاحتلال بشكل جيد، وما يؤكد ذلك وقوع كمينين في المنطقة ذاتها شرق بيت حانون خلال أسبوع واحد.
أنماط قتالية
وبيّن الخبير العسكري أن المقاومة تركز على نقطة ضعف برزت في جيش الاحتلال مؤخرًا، وهي القوى البشرية، حيث ترفع فاتورة الخسائر البشرية عبر نمط قتالي جديد.
ويعتمد النمط القتالي على تسلسل المعركة الدفاعية بأنساق دفاعية وعمليات هجينة مركبة، تدمج بين الكمائن، والعبوات الناسفة، والقنص عن بعد، فيما يبدو الاحتلال عاجزًا عن إدارة معركة هجومية ناجحة، حيث تتمركز قواته في المناطق العازلة، وكلما تحركت خارجها تعرضت لخسائر، مما يدفعه للعودة إلى القصف الجوي، الذي لا يحسم معركة ولا يمسك أرضًا، حسب أبو زيد.
وأشار إلى أن الاحتلال لن يستطيع الاستمرار بهذا النمط العملياتي، في ظل تعميق أزمة الثقة بين المستوى العسكري، الذي يبدو مدركًا لصعوبة الحسم عسكريًا، والمستوى السياسي الذي يخشى اتخاذ قرارات الحسم سياسيًا، مما يجعل العودة إلى طاولة المفاوضات الخيار الأكثر احتمالًا، فيما تبقى المغامرة بعملية عسكرية واسعة الخيار الأكثر خطورة.
قواعد مرنة
ووفق الخبير العسكري ناجي ملاعب، فإن حركات التحرر لا تعتمد قواعد قتال ثابتة، بل متغيرة تبعًا للمعطيات الميدانية والأسلحة المتوفرة ومدى السيطرة على الأرض، مؤكدًا أن المقاومة في غزة تخوض قتالًا على أرض تعرفها جيدًا.
ويقول ملاعب لـ"فلسطين": "لا يوجد نمط قتال واحد، بل تتبع المقاومة نمطًا دفاعيًا أكثر من الهجومي، وتتفوق في هذا النمط الذي يفشل حسابات الاحتلال".
ويشير إلى أن القتال من مسافة صفر، وتفخيخ الأبنية، والكمائن، ومتابعة قوات الاحتلال بعد وقوع الإصابات، كلها عناصر تُستغل لضرب قوات الإنقاذ، كما حدث في عدة عمليات بغزة مؤخرًا.
ويضيف: "طالما أن هناك بنية قتالية وأسلحة وتنظيمًا صلبًا للمقاومة، فلن يستطيع العدو تحقيق أهدافه، وهذا ما يحدث في شمال وشرق وجنوب غزة".
حرب عصابات
ويتابع ملاعب: "على الأرض، تمتلك المقاومة حرية المبادرة في منطقة تعرفها جيدًا، لذلك يلجأ الاحتلال إلى الطيران والإبادة الوحشية كلما سددت المقاومة ضربات قاتلة لقواته".
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي حاتم كريم الفلاحي أن المقاومة تقوم بعمليات نوعية وتخوض حرب عصابات تستنزف قدرات جيش الاحتلال الذي يعاني من التعب والإرهاق.
ويقول الفلاحي: "إن الخسائر التي يتكبدها جيش الاحتلال حاليًا ستضاف إلى خسائره السابقة خلال المرحلة الأولى من العدوان على غزة، مما يثبت أن عملياته لم تحقق أهدافها لا على المستوى الإستراتيجي ولا العملياتي".

