قبل خمسين سنة من تاريخه كانت حكومة دولة الاحتلال برئاسة جولدا مائير تقبل بدولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م عدا القدس، على قاعدة الضرورة، على أن تكون هذه الدولة في إطار كونفدرالية مع (إسرائيل)، أو مع الأردن، أو مع كليهما. كان ذلك بحسب الوثائق الإسرائيلية بعد ثلاث سنوات من حرب ١٩٦٧م، وقد طرحت جولدا مائير ما تفكر فيه على ديان وألون، وأعربت لهما عن الخطر المحتمل لهذا السيناريو.
من يتعمق قراءة الوثيقة بعد خمسين سنة يكتشف تطور الفكر الصهيوني من قضية قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة، بحكم (الضرورة) التي عبّرت عنها جولدا مائير، حيث اشتدت المقاومة. هذا التطور حدث بالعمل ضد فرص إقامة دولة فلسطينية، حيث انتهى عند نتنياهو الذي صرح في يونيو الفائت بعد نشر الوثيقة بأنه: "يجب اجتثاث فكرة إقامة دولة فلسطينية".
اقرأ أيضًا: التطبيع في ميزان البيت الأبيض
اقرأ أيضًا: صراع داخلي وأطرافه تتربص بنا
لم تكن جولدا مائير، ولم يكن رابين أيضًا، وكلاهما من قادة حزب العمل، يؤمنين بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية، ولكنهما كانا يريان أنه ثمة ضرورة لقيام هذه الدولة، بحكم تعقيدات الواقع، والموقف الدولي، وكان سياق هزيمة ١٩٦٧م يدفع بهذا الاتجاه، ولكن التوجهات اليمينية للمجتمع العبري، وتزايد نفوذ اليمين والمتطرفين قضى على هذه الفكرة من جذورها كما يريد نتنياهو، وبات قادة الأحزاب في دولة الاحتلال لا يرون (ضرورة) تبرر الموافقة على قيام دولة فلسطينية. هذا هو الموقف الإسرائيلي المعتمد حاليًّا في دولة الاحتلال.
وفي المقابل لم تعمل منظمة التحرير، ثم السلطة، على قضية فرض الضرورة، ومواجهة اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية، بل إن السلطة أماتت قضية الضرورة التي خلقتها المقاومة بعيد النكسة، بقبولها سلطة بالوكالة بديلًا للدولة، ولو عملت منظمة التحرير، ثم السلطة على تعظيم فكرة الضرورة لكان بالإمكان وجود الدولة.
ما أود قوله إن الدولة لا تأتي بالاستجداء، ولا عن طريق الوكيل الخادم لسيده، ولكن بالعمل وخلق (واجب الضرورة) على دولة الاحتلال، وهذا يتناقض مع اتفاق أوسلو، لأن فرض الضرورة على دولة الاحتلال يأتي بالمقاومة لا بالوكالة عن المحتل، ولا بتمييع حالة الضرورة. منظمة التحرير لم تعمل للدولة في أوسلو ابتداء، ونقضت ماضيها، وسلطة الحكم الذاتي لم تعمل لها بعد ذلك، (وإسرائيل) ليست مضطرة للسماح بقيام هذه الدولة؟! فمن المسؤول؟ وما العمل الآن؟!