صفعها على وجهها صفعة أحست بالدنيا تدور بها على إثرها. لم تتوقع أن تتطور الأمور وتصل إلى هذا الحد، فلم يكن هناك شيء يستحق ذلك.. وليته اكتفى بذلك، بل غادر البيت غاضباً أيضاً.. غلب لديها الاعتقاد بأنه لا مكان لها في بيت الصفع فيه هو الحل الأفضل للمشكلات، جمعت حاجياتها وغادرت البيت.
عاد بعد ثلاث ساعات، طرق البيت، ما من مجيب، بحث في جيبه عن مفتاح الباب، دخل، ونادى:
- أحلام.. أحلام.. أين أنت؟
أجابه صدى جدران البيت الخاوي.. أخذ يدور في البيت باحثاً عنها، وكأنها إبرة صغيرة من الصعب العثور عليها في كومة من القش.. غادر البيت مرة أخرى وهام على وجهه. كان جائعاً، دخل أول مطعم وجده في طريقه، طلب الطعام، وتناوله دون أن ينتبه لطعمه.. كان مشغول الفكر، كيف أنه لم يكد يدخل البيت بعد يوم مرهق من العمل، ومشكلة سببت له درجة عالية من التوتر، فوجدها وقد ارتدت ملابس الخروج.. فبادرها قائلاً:
- "أين تريدين الذهاب؟
- إلى بيت أهلي، هيا إلى المطبخ، أَسْرِع لتناول الطعام، يجب ألا نتأخر.
- من قال إننا سنذهب؟
- يجب أن نذهب، فأمي وإخوتي وأخواتي بانتظارنا.
- لن نذهب.
- أرجوك، أنا مشتاقة لرؤية أخواتي جداً، فأختي سماح حضرت من الإمارات اليوم، وأنت تعلم أنها غائبة منذ ثلاث سنوات.
- وما دخلي أنا بأختك؟
- أرجوك لا تقل هكذا..
- اغربي عن وجهي، لا أريد أن أسمع صوتاً، أريد أن أرتاح.
- ماذا فعلت لتقول لي ذلك؟
- أقول اخرسي.. وانتهى الأمر.
- لا أسمح لك بإهانتي.
ما كان منه إلا أن صفعها قائلاً: لا أنتظر منك إذناً لأقول ما أريد".
أخذ يتمتم قائلاً لنفسه: لا حول ولا قوة إلا بالله، الله يخزيك يا شيطان.. والله لم يكن هناك أي داعٍ لكل ما حدث، كنت أستطيع أن أطلب منها بهدوء أن تتركني لبعض الوقت لأرتاح، أو أرسلها لبيت أهلها وحدها ثم أعود لأرتاح في البيت.
وأخذ يتصور لو أن الموقف نفسه قد حدث مع ابنته، هل كان سيقبل بأن يصفعها زوجها لأي سبب كان؟ فقال لنفسه:
- طبعاً لا، بل ربما أقتله..
- إذًا كيف تسمح لنفسك بأن تفعلها مع زوجتك..
صمت قليلاً وعاد يقول لنفسه:
- أأتصل بها وأطلب منها أن تعود؟؟ هل ستقبل يا تُرى؟ لا أعتقد ذلك.
- افترض لو أن زوج ابنتك قد صفعها، وجاءتك من البيت غاضبة، هل تقبل بأن تتركها تعود له دون أن يحضر بنفسه ويعتذر ويبدي ندمه على ما فعل، ليس ذلك فقط، بل يطيب خاطرها ويعيدها إلى بيتها معززة مكرمة؟
- طبعاً سيكون ذلك أقل شيء يفعله لاسترضائها.
- إذًا قم وافعل ما تمليه عليك رجولتك وأخلاقك.
اشترى طبقاً من الشوكولاتة وطرق باب أهلها..
- تفضل يا بني، أهلاً وسهلاً بك.
- حمداً لله على سلامة سماح، أين أحلام؟.
- سلمك الله، سأخبرها أنك هنا.
- أتسمح لي يا عمي أن أجلس معها بانفراد قليلاً من الوقت..
- البيت بيتك يا بني.. تفضل إلى غرفة الاستقبال.
انتظرها لدقائق قبل أن تدخل الغرفة وفي عينيها دموع لم تجف بعد. وبعد ساعة من الحديث المنفرد خرجا ضاحكين تبدو البهجة في محيَّاهما.. جلسا مع بقية أفراد العائلة لبعض الوقت، ثم سألها:
- هل تريدين العودة معي الآن، أم تفضلين قضاء بعض الوقت مع أخواتك وأهلك؟
- بل سأذهب معك هذه الليلة، على أن أعود هنا منذ صباح الغد وحتى موعد عودتك من العمل.
- لا مانع لدي.. إلى اللقاء غداً بإذن الله.