أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، مبادرة سياسية تجاه القضية الفلسطينية، تحت عنوان (الرؤية ذات النقاط الثلاث) وتنص على ما يأتي:
أولًا- يكمن المخرج الأساسي لحل القضية الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967، وعاصمتها شرقي القدس.
ثانيًا- من المطلوب ضمان احتياجات فلسطين اقتصاديًّا ومعيشيًّا، وينبغي على المجتمع الدولي زيادة المساعدات الإغاثية والإنسانية لفلسطين.
ثالثًا- من الضروري الالتزام بالاتجاه الصحيح المتمثل في مفاوضات التسوية، ويجب احترام الوضع التاريخي القائم للمقدسات الدينية في القدس، والتخلي عن الأقوال والأفعال المتشددة والاستفزازية، والدفع بعقد "مؤتمر سلام دولي" على نطاق أوسع، وبمصداقية أكثر، وتأثير أكبر، وتهيئة الظروف لاستئناف مفاوضات التسوية، وبذل جهود ملموسة لمساعدة فلسطين و(إسرائيل) على تحقيق "التعايش السلمي".
إن الجانب الصيني على استعداد للعب دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، ودفع مفاوضات التسوية.
لا شك أن الصين ومنذ انتصار ثورتها عام 1949 بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، وقفت بكل قوة إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ورفضت الاعتراف بشرعية وجود (إسرائيل) إلى أن تم انعقاد مؤتمر مدريد عام 1992، حيث اعترفت الصين بـ(إسرائيل)، وأقامت علاقات دبلوماسية معها.
وكانت الصين أول دولة أجنبية في العالم تفتح سفارة لفلسطين في بكين عام 1964، بعد زيارة لمؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، المناضل الراحل أحمد الشقيري إلى الصين، ولقائه مع الزعيم التاريخي ماو تسي تونغ، واستمرت الصين في دعمها للشعب الفلسطيني والحقوق العربية، وربطتها علاقات تاريخية وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية.
واليوم فإن الصين تلعب دورًا محوريًّا على الصعيد العالمي كقوة عظمى اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وثقافيًّا، ترفض هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي، وتسعى بنجاح إلى جانب روسيا الاتحادية ودول أخرى إلى بناء نظام عالمي جديد، يضع حدًّا للهيمنة الأمريكية.
إن هذا الدور الصيني بدأ يتجسد سياسيًّا بفاعلية ملموسة للصين في الملفات الإقليمية، وأبرزها دور الصين في ملف العلاقات السعودية – الإيرانية، ونجاحها في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وما يعنيه ذلك من انعكاسات في عموم المنطقة.
وفي إطار هذا الدور الصيني الفاعل في القضايا الإقليمية والدولية، طرحت الصين رؤيتها عبر نقاطها الثلاث لحل القضية الفلسطينية.
إن هذه الرؤية الصينية من الواضح أنها تنطلق من نتائج حرب الخامس من حزيران عام 1967، وما ترتب عنها من احتلال الضفة الفلسطينية والقدس وغزة والجولان وسيناء، مع العلم أن القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني لم تبدأ عام 1967، بل بدأت منذ أن زُرع الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي كمشروع غربي استعماري لا شرعية لوجوده على أرض فلسطين، هدفه السيطرة على المنطقة وتقسيمها وعرقلة تقدمها، وهذا المشروع الاستعماري لا زال يمارس دوره الوظيفي في خدمة المصالح الرأسمالية العالمية والنظام الإمبريالي المتوحش، الذي يسعى إلى خلق ما سمي بالشرق الأوسط الجديد، لضمان السيطرة والهيمنة الأمريكية والصهيونية على عموم المنطقة.
فهل يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي في تدمير العراق ومقدراته، أو تجاهل هذا الدور في أحداث سوريا والمؤامرة الكبرى التي تعرضت لها، وهل يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي في أحداث السودان، ومحاولات تقسيمه من جديد، أو تجاهل هذا الدور في إثيوبيا وبناء سد النهضة واستهداف مصر.
إن أساس وجوهر قضية فلسطين هو اقتراف جريمة من أبشع جرائم العصر الحديث، عندما تم تدمير مئات القرى الفلسطينية، واقتراف المجازر، وتشريد الشعب الفلسطيني في كل أصقاع الأرض عام 1948، وبالتالي فإن جوهر القضية الفلسطينية وأساسها هو عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها قسراً عام 1948، وأي حل للقضية الفلسطينية لا يستند إلى هذا الأساس، هو حل لن يقبل به الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن الرؤية الصينية قفزت عن حق سبعة ملايين ونصف مليون فلسطيني يعيشون في مخيمات اللجوء والشتات، وينتشرون في كل بقاع العالم بعيدًا عن أرضهم وديارهم، مع العلم أن القرار (194) الصادر عن الأمم المتحدة، قد أكد حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها عام 1948، بل اشترط استمرار الاعتراف بـ(إسرائيل) بممارسة هذا الحق.
لقد أفرزت مسيرة العقود الماضية، وما سميت بعملية التسوية والمفاوضات العبثية، أننا أمام مشروع صهيوني استعماري عنصري بقي متمسكًا برؤيته الإستراتيجية في السيطرة على أرض فلسطين، على الرغم من كل التنازلات الكبرى التي قُدمت عبر اتفاق أوسلو، بل مارس الكيان الإسرائيلي كل السياسات الاستيطانية التي أوجدت 800 ألف مستوطن في الضفة الفلسطينية والقدس، لضرب أي مقومات لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وبالتالي فإن ما يسمى بـ"حل الدولتين" لم يكن سوى خدعة هدفها تمكين الاحتلال الإسرائيلي من السيطرة على كامل الأرض الفلسطينية.
لقد اتضح بالملموس خلال العقود الماضية، ومسيرة الأحداث والخبرة التاريخية أننا أمام مشروع صهيوني أمريكي، يستهدف التصفية الشاملة للقضية الفلسطينية بجميع أبعادها، سواء بالنسبة للأراضي المحتلة عام 1948، من خلال إقرار قانون القومية العنصري، الذي اتخذه الكيان الإسرائيلي، والذي يؤكد الطابع اليهودي للدولة الصهيونية، ويستهدف وجود ومستقبل شعبنا هناك، أو من خلال مخطط تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء، والذي باتت ملامحه ملموسة للعيان من خلال سياسة التهجير للمنافي البعيدة، وضرب وكالة غوث اللاجئين أو بالنسبة للأراضي المحتلة في الضفة والقطاع والقدس، ونسف أي مقومات لبناء دولة فلسطينية مستقلة.
السؤال المطروح اليوم هو إذا كانت الحكومات الإسرائيلية السابقة خلال العقود الماضية قد زرعت مئات آلاف المستوطنين، ومارست كل أشكال الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، فكيف سيكون الأمر مع الصهيونية الدينية التي تحكم الكيان الإسرائيلي، وتشكل الحكومة الصهيونية التي تعمل على سن قانون يسمح باعتقال الأطفال الفلسطينيين وحكومة تسمح لأعضائها بالدعوة إلى تهجير الفلسطينيين وحرق قراهم.
لكل ما سبق، فإن الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة تحرر وطني وصل إلى قناعة أن لا إمكانية للتعايش مع المشروع الصهيوني الاستعماري غير الشرعي الجاثم على أرض فلسطين، وأنه لن يقبل بأية حلول تكرس الوجود الصهيوني على أرضه، وأن طريق المقاومة هو الخيار الإستراتيجي لانتزاع كامل حقوقنا الوطنية.