عديدة هي الأوصاف التي أطلقت على تطورات الانقلاب القانوني الذي شهدته الساحة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، لكن أفضل وصف أنه "حدث درامي"، خاصة ما يتعلق بلجنة اختيار القضاة، وبغض النظر عن الطريقة التي حصلت بها أحداث الأربعاء الماضي في الكنيست، فإن الأمر سينتهي باستنتاج مركزي واحد وهو أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يوجه تهديدات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيًا.
نتنياهو اليوم، وبعد أحداث الأيام الأخيرة، لا يخفي خوفه من شريكه الفاشي، لعدم قدرته على التنبؤ بتحركاته، ويخشى ردود أفعاله، التي قد تؤدي لتفتيت حكومته دون سابق إنذار، إلى الدرجة التي جعلته يرتكب كل الأخطاء المحتملة، بل ينتهي في مواجهة انهيار كبير، وأزمة كبيرة في معسكر اليمين، وصولًا لتفكك داخلي في الليكود ذاته.
ليس سرًّا أن "بن غفير" سعى مؤخرًا لإيقاع الحكومة في سلسلة من الإخفاقات في مجال الأمن الشخصي، وادعاءاته المتكررة حول قلة الميزانيات، وعدم التعاون مع الوزارات الأخرى، وصولًا لإيقاع نتنياهو شخصيًا في أزمة مبكرة، في حين تعرف الشخصيات العاملة داخل الليكود حقيقة خريطة المصالح والثارات الشخصية في صفوفه.
أثبتت أحداث الأيام الأخيرة حقيقة مخاوف نتنياهو من الأيام التالية، وهذه المرة، ليس من خصومه في المعارضة، بل من داخل الائتلاف الحكومي ذاته، تزامنًا مع اتهامات يتلقاها مؤخرًا من مكتب رئيس الدولة بعدم الرغبة بتقديم المزيد من التنازلات عن بعض القوانين التي تتسبب باستمرار الأزمة الحكومية والسياسية في دولة الاحتلال، ويتوقع أن تزداد تعقيدًا وتأزّمًا في حال فشلت المفاوضات كليًا بين الائتلاف والمعارضة.
يدرك نتنياهو أكثر من سواه أن تمرير الانقلاب القانوني لن يكون من جانب واحد، لأن الانفجار في الشوارع سيكون كبيرًا حينها، ما يستدعي منه استكمال مباحثاته وتفاهماته مع المعارضة، مع تزايد التقدير القائل بأن الدورة الصيفية للكنيست قد تمرّ وتنقضي دون أن تسفر عن تحقيق أي تسوية، بل أن تذهب الأمور في دولة الاحتلال لمزيد من الانهيارات الداخلية.
لا يخفي قادة حزب الليكود، ولا سيما المقربون من نتنياهو، أنهم يمرون في أصعب وضع ممكن، فالانقلاب القانوني لم يعد قائمًا على الأرض، أما التحالف الحكومي فقد أصيب بالتصدع عقب التصويت على لجنة اختيار القضاة، ولم يعد لديهم أغلبية مؤيدة للانقلاب، لا في الكنيست ولا في الجمهور.
خلاصة الأزمة الإسرائيلية هذه المرة داخل الائتلاف، أن "الكل يشكّ في الكل"، واليمين منهك ومشوش بسبب الوضع السياسي والاقتصادي، ونتنياهو ما زال يقوم باستعراضات سياسية وحزبية كي يمضي بانقلابه القانوني، دون أن يحصل على بوليصة تأمين بإنجازه، وإلا فسيكون مضطرًا أن يعلن عن فشله، وحينها سيكون الثمن باهظًا.