في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال تهديدات خارجية من الساحة الفلسطينية وسواها من الساحات المجاورة، فإن نظيرتها الداخلية من التحديات ليست أقلّ خطورة، ولا سيما مع تصاعد الجريمة المتفشية بين أهلنا من فلسطينيي48.
يدور الحديث عن قرابة مليوني فلسطيني يعيشون في دولة الاحتلال، ممن فقدوا أمنهم الشخصي، ولا يثقون بسلطاته الأمنية، ومع اتساع رقعة الجريمة فقد باتت الظاهرة مدمّرة، لأننا أمام مائة من ضحايا العنف والجريمة، أكثر من ضعف ما كان عليه في النصف الأول من 2022، وهو العام الذي شهدت فيه الأشهر الأولى انخفاضًا بنسبة 30٪ في نطاق الضحايا مقارنة بعام 2021، الأكثر دموية بين فلسطينيي48 على الإطلاق.
بعيدًا عن التمييز بين قادة الاحتلال، ودورهم في مكافحة أو إذكاء الجريمة، فإن سلوكهم الأمني لا يظهر قدرة أو حتى رغبة أو كليهما بوقف هذه الجرائم التي لا يمكن تصورها بين فلسطينيي48، ويمكن لأحدنا في هذه الحالة أن يستنتج أحد أمرين: إما أن حكومة اليمين الحالية، وعلى رأسها الوزير الفاشي إيتمار بن غفير غير قادر على التعامل مع الجريمة المتفشية في المجتمع العربي، أو أنه لا يريد، على أي حال، وفي الحالتين فإن النتيجة فظيعة، تتجاوز جريمة هنا وهناك، لتصل إلى مختلف المناحي والأصعدة.
مع العلم أن عددًا من أقطاب الأمن الإسرائيلي، السابقين واللاحقين، باتت لديهم قناعات متزايدة بأن الجريمة بين فلسطينيي48، تعادل إيران في مجال الأمن الداخلي، وهذا خطير، لأن هذه الجريمة تخترق تقريبًا كل مستويات حياتهم، إذ يضاف إلى الاحتلال الذين يعيشون تحت ضغطه وقمعه وتعسّفه، فهاهم يواجهون الجريمة الجديدة، وكأنهم "يستجيرون من الرمضاء بالنارِ".
الجريمة تزيد فقط مع مرور الأيام، وتفقد الجريمة المتفشية، وردود الفعل الانتقامية كل ضبط للنفس، وتجاوز كل الحدود البشرية، إذ يتم بالفعل قتل الفتيان والفتيات أمام والديهم، وكلما ازدادت الظاهرة اختفت الصدمة مع شيوع إحساس "البلادة"، وفي الوقت ذاته يسود الخوف بين مدن وقرى فلسطينية، وما يقرب من مليوني فلسطيني باتوا يخشون الخروج إلى الشوارع، لأن واقعهم قد يتطور إلى اتجاهات خطيرة، وغير متوقعة.
لقد ظهر لافتًا غضب فلسطينيي الـ48 المكلومين على ابن غفير حين وصل إلى أحد البلدات الفلسطينية، وصرخوا عليه بغضب "كل هذا بسببك"، لأنه وزير خارج على القانون، ولأنه لو كان القتلى يهودًا، لكان القتلة قد قُبض عليهم منذ وقت طويل، لأن تفشي الجريمة والقتل وانعدام الأمن الذي يهدد دولة الاحتلال بأسرها، فكّك بلدانًا بأكملها، على الرغم من وعود الاحتلال الزائفة بمحاربة الجريمة، واستعادة الأمن الشخصي.