ما زال العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة يحظى بمزيد من التقييمات السلبية لدى معظم المعلقين السياسيين والعسكريين، رغم الادعاء السائد بأنه حقق إنجازات نسبية معقولة أكثر نجاحًا من نظرائه من العدوانات السابقة، ومع ذلك فإن التوجه يتمثل بعدم المبالغة في إنجازاته، لأن الجبهة الداخلية الاسرائيلية، كما في كل مرة، تعرضت لإطلاق مئات الصواريخ على عمقها، تسببت في إحداث شلل في أجزاء واسعة منها.
في الوقت ذاته، فإن تكرار مثل هذه العدوانات ليس من شأنها أن تنهي حقبة الهدوء المؤقت بين هذه الجولات بين حين وآخر، وتفشل كما يبدو في استعادة الهدوء في الجبهة الجنوبية مرة واحدة، وإلى الأبد، رغم أن العدوان الأخير بدا مختلفًا عن سابقيه، وربما حقق أهدافه العسكرية، لكنه على المدى الطويل، لم يظهر أنه نجح بإنجاز ما سعى له من أهداف سياسية معدّة مسبقًا، وترجمتها لتحركات عسكرية على مختلف المستويات.
صحيح أن العدوان شهدته غزة، لكن من الواضح أنه هدف لإيصال رسالة للقوى المعادية للاحتلال المحيطة بالمنطقة، بالزعم أنه لا يزال في ذروة قوته، لكن اختيار هذه الجبهة يبدو خيارًا سياسيًا لافتا له للتعبير عما أسماه "مبدأ استنفاد القوة"، وينص على أن استخدامها أكثر من ضروري لتحقيق الهدف، وإلا سيؤدي لفقدانه.
ما يتردد في الأوساط الإسرائيلية بشأن إنجاز نسبي لأهداف العدوان الأخير، لا يلغي فرضية بقاء عداء قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي لما تسمى "الحروب الاختيارية"، مما استدعى البحث في توقيت العدوان، ونموذجه، وتشكيل الفريق الذي يقود عملية صنع القرار، من أجل عرض الأمور على الرأي العام الإسرائيلي وخارجه.
وقد بدا واضحًا أن هذا العدوان، وعلى غير العادة، تم استبعاد كبار الوزراء من المداولات الأمنية والعسكرية، بمن فيهم وزيرا المالية والأمن القومي، رغم إبلاغ ممثليهم بلجنة الشؤون الخارجية والأمن في نفس الوقت بأهداف العدوان، وأنشطته الهجومية، مع منح أولوية متقدمة لضباط الجيش ورؤساء المخابرات الذين اعتادوا في السنوات الأخيرة على إملاء السياسة، بدلًا من تنفيذها.
ولمن يذكر فقط، فقد صاغت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية توصية، تم تسريبها بطريقة ما للمراسلين العسكريين، إلى المستوى السياسي، بوقف العدوان بعد ثلاثة أيام من بدئه، بدعوى أن جميع أهدافه قد تحققت، وكل يوم إضافي يزيد فرصة انجرار بقية قوى المقاومة، مما سيضرّ بما تحقق من أهداف.
في النهاية، ورغم ما أنجزه العدوان الاسرائيلي مما يعتبره أهدافا عسكرية وسياسية، لكن الواقع يقول أن شيئًا ما لم يتغير مقارنة بالعدوانات السابقة، بالنظر إلى أن نتائج الحروب بالعادة تنطلق من الحكم على إنجازات المستويين السياسي والعسكري معًا، وليس العملياتي فقط.