بعد مرور 4 أيام على معركة ثأر الأحرار، والتصدي للعدوان الغاشم على قطاع غزة، يمكننا القول بأن تطورًا كبيرًا ولافتًا طرأ على المقاومة الفلسطينية مقارنة بما كانت عليه في معركة سيف القدس، وعلى أصعدة مختلفة، أول تلك الدلائل هو فترة الصمت القاتل الذي قررته المقاومة قبل الرد الموحد من جانب غرفة العمليات المشتركة، تكتيك جديد لم يكن ليخطر ببال الاحتلال الذي ارتكب جريمته واعتقد أن رد المقاومة لن يتجاوز بضع ساعات، ما أدخل الكيان في حالة شديدة الإرباك والتوتر قرابه 36 ساعة، والدلالة الثانية هو استخدام صواريخ متطورة تظهر لأول مرة يمكنها تجاوز الدفاعات الإسرائيلية المختلفة، وتحمل رؤوسًا متفجرة يصل وزنها إلى قرابة نصف طن، وكذلك إطلاق صواريخ بأعداد أقل وتركيز أعلى، وهذا يشير إلى استعداد المقاومة الفلسطينية لخوض حرب طويلة الأمد أو حرب استنزاف إن لزم الأمر، تلك الأمور إلى جانب مظاهر أخرى تتعلق بالتفاوض والتعاطي الإعلامي يوحي بأن غرفة العمليات المشتركة لديها خطة مختلفة، ومفاجآت كثيرة استعدادًا لما قد تشهده المعركة من تطورات.
ميدانيًّا تظهر سيطرة كبيرة للمقاومة الفلسطينية على مجريات المعركة، نتنياهو خرج أكثر من مرة لإعلان انتصاره الكاذب على المقاومة، وتأكيد رضاه عما حدث، والواقع يؤكد أن بنيامين نتنياهو وعصابته يعضون أصابع الندم على جريمتهم النكراء، وهي اغتيال قادة، وارتكاب مجزرة بحق أطفال ونساء في قطاع غزة، وقد قلت سابقًا أن الاغتيال فكرة غبية تشبه إرسال مضخات وقود لإطفاء نيران عجز أمامها الدفاع المدني، ولكن لأنها حكومة غبية أقدمت على جريمة الاغتيال، ووضعت الكيان الإسرائيلي بأكمله تحت ضربات المقاومة، ما أدى إلى شلل في الحياة يزداد يومًا بعد يوم، وأصبح غدهم أسوأ من أمسهم.
أمر آخر لا بد من الإشارة إليه وهو موقف الأطراف الخارجية من المعركة، يرى البعض أن موقف المتآمرين أو المتخاذلين من الخارج مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم على ما هو عليه، ولكنني أرى أن هناك اختلافًا واضحًا وهو إلقاء اللوم المبكر على حكومة العدو الإسرائيلي، واستنكارها لعدوانها غير المبرر على قطاع غزة، واعتقد أن سبب ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى شعور المجتمع الدولي بأن حكومة نتنياهو تشكل خطرًا على الاستقرار في المنطقة، ولا يريد تشجيعها أو دعمها، وخاصة أنه يعلم أن المقاومة الفلسطينية قادرة على تهديد الأمن الإسرائيلي الذي هو أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي المنافق، وبعض الأطراف القريبة.
المعركة لم يمر عليها سوى بضعة أيام، لا ندري إن كانت في نهايتها أم بدايتها، والمقاومة لم تطلق شيئًا يذكر من صواريخها، ولم تستخدم إلا جزءًا يسيرًا من طاقتها وقدراتها البشرية، ولذلك من المبكر تقييم الأوضاع بشكل أوسع، ولكننا نقول: إن الكيان الإسرائيلي يمر بامتحان صعب جدًّا، لأن أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفًا هي التي تحكم، وهي ترى أن (تل أبيب) أتخمت بالضربات الصاروخية، وأن المستوطنات في القدس تتعرض أيضًا لضربات المقاومة، ولكنها عاجزة عن فعل شيء يذكر، أين أفيغدور ليبرمان ليصد الصواريخ عن المستوطنين في القدس و(تل أبيب) ورحوفوت وغلاف غزة وباقي المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ إذا لم يكن قادرًا على فعل شيء، لماذا التبجح والتهديد والوعيد الذي يطلقه هو باقي أفراد العصابة أو حكومتهم الإرهابية؟