تتواصل تبعات الأزمة الحكومية الإسرائيلية في ترك بصماتها السلبية على مختلف مرافق الحياة في دولة الاحتلال، وآخرها ما تواجهه صناعة التكنولوجيا الفائقة المعروفة اختصارًا بكلمة "هايتك"، مع توالي صدور الإشارات والشواهد عن زيادة نقل أموالها إلى الخارج، مع تواصل هجرة رأس المال البشري، وصوًلا إلى تسجيل الشركات الجديدة على أنها أجنبية.
لعل ما منح هذه الشواهد المقلقة مصداقية ووجهة ما كشفته تقارير إسرائيلية جديدة حول استعداد الشركات التكنولوجية لمغادرة دولة الاحتلال إلى أوروبا باعتبارها بلد الوجهة الجديد، وينضم هذا المؤشر إلى سلسلة من الاتجاهات التي شهدها الإسرائيليون في الأشهر الأخيرة، كل منها مقلق في حد ذاته بالنسبة لهم، لكن مخططهم معًا يخلق صورة قاتمة بشكل خاص لمستقبل الاحتلال.
وبينما تُقدِّم حكومة اليمين خطتها للانقلاب القانوني، وتضع مزيدًا من العلامات على أنها لا تنوي التوقف، فإن ردود الفعل المضادة القادمة من صناعة التكنولوجيا الفائقة أكدت أنها ستأخذ أموال شركاتها خارج الدولة، وبعد أسابيع من ردود الفعل الغاضبة والنقد والارتباك، فقد أصبح من الواضح أن هذه الشركات أعلنت عزمها على سحب الأموال، أو على الأقل ترك أموال جديدة في الخارج.
ومع استئناف الدورة الصيفية للكنيست، ومعاودة الائتلاف الحكومي سنّ تشريعاته القانونية، فقد بدا واضحًا أنه من الصعب إيقاف عجلة الهجرة المعاكسة لشركات الهايتك، وبدأ بنك "إسرائيل" بمراقبة حركة الأموال باستمرار، وضعف الشيكل، فيما يقول رجال الأعمال إن ما يتم الكشف عنه للجمهور مجرد انخفاض في المحيط، فالأموال الضخمة حقًا في التكنولوجيا الفائقة تترك الدولة بهدوء، دون أن تتصدر عناوين الصحف.
في مرحلة لاحقة، وبعد إنفاق الأموال، فقد بدأ تحوّل في رأس المال البشري من الخبراء والفنيين، في ضوء ما تم الكشف عنه من محادثات مع اليونان وقبرص بشأن شروط الهجرة للأشخاص ذوي التكنولوجيا العالية الذين يرغبون بالعيش في الخارج، ولكن على مقربة منهم، حتى أن مجموعات من الإسرائيليين في الخارج بدأوا يشهدون ارتفاعًا هائلًا في عدد طلبات الانضمام عبر الفيسبوك.
مع أن ما يتم الكشف عنه للجمهور الإسرائيلي ليس سوى قطرة في المحيط، لأن الأموال الضخمة حقًا في مجال التكنولوجيا المتقدمة تترك الدولة بهدوء، بجانب اتحاد الشركات الناشئة الإسرائيلية في الخارج مع نظيرتها في الداخل.
حتى الآن، لم يُترجم أي من هذا لهجرة جماعية للخارج، ولكن من البداية فإن الإجراءات لم تكن عفوية وفورية، بل سيصبح نطاق الظاهرة واضحًا لاحقًا، لأنه من البداية ظهر أن خبراء التكنولوجيا المتقدمة يسارعون للحصول على جنسية أجنبية، خاصة وأن الأبواب مفتوحة تمامًا، وبأسعار باهظة، وهكذا بوتيرة سريعة نشأت ظاهرة انفصال التكنولوجيا الفائقة عن دولة الاحتلال.