فلسطين أون لاين

محكوم بالسجن 30 عامًا

تقرير في محبسه يقاسي "مسلم" المرض ويستوطن القلق قلب عائلته

...
نابلس – غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

تُلقي الأنباء عن الوضع الصحي الصعب الذي يعانيه الأسير قاسم مسلم بآثار سلبية على نفسية زوجته رندة، التي تكافح منذ 23 عامًا في تربية أبنائهما انتظارًا للحظة التي يخرج فيها من زنازين الاحتلال ويلتم شملهما مجددًا.

فـ"رندة" التي لم تتجاوز من العمر سبعة وعشرين عامًا حين اعتقل الاحتلال الإسرائيلي "قاسم" تاركًا لها خمسة من الأبناء أكبرهم تبلغ من العمر ثمانية أعوام، في حين لم يتجاوز أصغرهم الثلاثة أشهر، لتضعها الحادثة أمام صدمة ونقطة تحول كبرى في حياتها من ربة منزل يحضر لها زوجها كل ما تريده لأم وأب في الوقت نفسه.

لم تكن المسؤولية سهلةً أبدًا، في تربية أربع من البنات وواحد من الذكور هو الأصغر، "لم يكن بإمكاني الاعتماد على أحدٍ منهم، كل شيء يجب أن أوفره أنا من الألف للياء، مرت أيام وسنون صعبة، إلا أن التعب قلّ عندما أصبحوا يحملون شهادات جامعية، قبل أن يتزوج أربعة منهم ويكون لديّ 13 حفيدًا".

ولشدة التعب وكثرة المسؤوليات، غزت الأمراض جسد "رندة" التي لا تزال تنتظر خروج زوجها من معتقله ليعينها على إكمال المشوار، "لكن للأسف الإهمال الطبي الممارس ضد الأسرى يشعرني بالخوف على صحة قاسم، إذ استوطنت الأمراض جسده، ولا تُجرى له الفحوصات الطبية أو تُقدَّم له الأدوية اللازمة".

انعدام الإنسانية

فالأسير قاسم المعتقل منذ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2000م محكوم بالسّجن مدة 30 عامًا -وفق ما تبين زوجته- ويعاني تشنجاتٍ متكررةً في رجليه، ومشكلات في الأعصاب، وترفض إدارة السّجن تزويده بالعلاج اللازم.

كما يعاني قاسم ارتفاعًا في ضغط الدم منذ عام 2008، والسكري منذ عام 2014، ومشكلات دائمة في العمود الفقري منذ نحو 10 سنوات.

أما ابنته فاطمة فتأسَفُ لسنوات عمرها التي عاشتها بعيدة عن حضن والدها، وتبين أن الاحتلال بدلًا من مراعاة وضع والدها الصحي زاد على محكوميته سبع سنوات لتصبح ثلاثين عامًا، "لا يتمتعون بأيّ إنسانية، فبدلًا من تخفيف حُكمه والإفراج عنه فإنهم فعلوا العكس، بذريعة حديثه في أحد التحقيقات بكلامٍ لم يعجبهم".

ومنذ نعومة أظفارها تعلق قلب فاطمة (27 عامًا) وأشقاؤها بباب الزنزانة الذي حجب والدهم عن كل مناسباتهم الشخصية، "افتقدناه في كل يوم، خاصة نحن البنات، فلا أحد يسد محل الأب مهما فعل، افتقدناه في رمضان وفي الأعياد وفي التخرج، في نجاحاتنا وفي زفافنا، وعند وضع إحدانا مولودها، والقائمة تطول".

وجُلّ ما تتمناه "فاطمة" أن يخرج والدها من المعتقل في أقرب وقت، "علّنا نعوض ولو جزءًا قليلًا من الأيام التي مضت دون وجوده، وأن يخرج أيضًا والد زوجي المعتقل معه في اليوم نفسه وفي الزنزانة نفسها".

فزواج فاطمة من زوجها كان ثمرة سجن والدها مع قريبه "قتيبة"، بعد أن توطدت العلاقة بينهما، إذ يمكثان في زنزانة واحدة، "توافقا على الخطوبة في داخل سجنهما، ثم أخبرانا، واليوم نذهب لزيارتهما أنا وزوجي سويًا، وإذا لم أتمكن مرةً من زيارة أبي فإن زوجي يأتي له بأخباري من زيارته لوالده".

مشاعر لا تنطفئ

وبالرغم من كل ما يعانيه "قاسم" في السجن فإنه يحاول أن يكون متماسكًا ليخفي كل متاعبه عن بناته وزوجته عندما يراهن، فلا يكون على لسانه إلا كلمات الطمأنة لهن، والسؤال عن أحوالهن، "يصمّم أبي على معرفة ما ينقصنا، ويحاول توفيره لنا حتى وهو داخل سجنه، يخفي متاعبه وما ألمّ به من أمراض عنا، لكننا نعرفها من هيئته، وعبر ما يخبرنا به والد زوجي والمحامون".

وتفخر "فاطمة" بوالدها الذي بالرغم من السجن وقيوده وتأثير المرض في بصره كثيرًا، استطاع الحصول على شهادة الثانوية العامة، ثم البكالوريوس، ويدرس حاليًا الماجستير.

وبالرغم من محاولته إخفاء مشاعره الحزينة في أي زيارة لذويه له، فإن هناك أحداثًا لم يستطع "قاسم" أن يتمالك نفسه فيها، كوفاة والدته في عام 2012م التي تأثر لفقدانها كثيرًا، فهي بالرغم من مرضها لم تفوّت أيّ موعد لزيارته.

تقول فاطمة: "ومن الأحداث الصعبة أيضًا وفاة ابن عمي المفاجئة في عام 2019م في فترة خطبته لأختي الصغرى (سنين)، فكان حدثًا مؤلمًا جدًّا لوالدي ولنا جميعًا".

المصدر / فلسطين أون لاين