فلسطين أون لاين

​من الأنفاق إلى السماء

خليل الدمياطي.. كسر صمت 32 عامًا برحيله شهيدًا

...
الشهيد خليل باسم الدمياطي (أرشيف)
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

"مجرد أن تنظر إليه للمرة الأولى، ستحبّه"، هذا ما يقوله "محمد" كلما سأل عن كواليس حياة شقيقه الأكبر الشهيد القسامي خليل باسم الدمياطي، الذي ارتقى إلى العلياء جراء حادث عرضي أثناء عمله الجهادي في الإعداد والتجهيز داخل أحد أنفاق المقاومة، الخميس المنصرم.

نشأ الدمياطي (32 عامًا) وسط عائلة غزية عانت من ظروف معيشية صعبة، دفعت بخليل إلى ترك التعليم باكرا رغم حبه له والتوجه إلى مجال العمل المهني لمساعدة والده في تدبير شؤون حياة عائلته المكونة من 12 فردا وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم.

تلك الظروف الحياتية الشاقة جعلت من الفتى "خليل" رجلا قبل أوانه، قادرًا على تحمل مسؤولية أشقائه حتى وإن تتطلب منه الأمر العمل في أكثر من مهنة في آن واحد دون أي تذمر أو شكوى، وذلك كان طبعه في الحقل التنظيمي والجهادي أيضا.

الأخ الأصغر، الذى بدا مذهولا من قصص نبيلة بدأت تخرج إلى العلن بعد رحيل شقيقه، قال لصحيفة "فلسطين": "لطالما حلم خليل منذ سنوات طفولته بالشهادة في سبيل الله وأن يبذل كل ما في وسعه ليدافع عن فلسطين خاصة عندما كان يشاهد الملثمين الحاملين لأسلحتهم في مطلع انتفاضة الأقصى".

"لذلك لم يكن خبر استشهاده بالأمر المفاجئ لنا، إنما شكل صدمة لسكان المنطقة الذين ما عرفوا عن خليل إلا التزامه في الصلوات الخمس وعمله في مجال البناء والإنشاءات"، يضيف محمد أثناء حديثه قبل أن يردد آيات الحمد والشكر لله على ما أصاب العائلة.

ويزيد: "كان خليل كتومًا، يبدع في التمويه وإخفاء أسرار عمله في القسام، وعلى صعيد العائلة عرف بحبه للصغار وحرصه على صلة الأرحام دون النظر إلى أي اعتبارات مالية"، متابعا حديثه: "وضع الله في قلبه حب الخير والتواضع ثم وضع له القبول في الأرض، لذلك امتلأ المسجد والشوارع المحيطة بالمصلين على جثمانه".

ويسترجع محمد تفاصيل الأيام الأخيرة التي جمعته مع شقيقه الشهيد، فيقول: "خلال الفترة القليلة الماضية ازدادت وتيرة انشغال خليل في تجهيز أنفاق المقاومة وميدان الإعداد، فكان يعود إلى البيت لينام لساعات محدودة ثم يعود مسرعًا.. وآخر عهدي به هي ابتسامة ألقاها علي وعلى طفلتي الصغيرة عند عتبة الباب".

حضور لافت

رفيق درب الشهيد، (م. خ)، يقول: "رحل خليل الشاب المبتسم والمتفائل والمتيقن بنصر الله، تاركا لنا مهمة استعادة تفاصيله ومحطات حياته كافة، حيث كان لخليل حضور لافت سيفقده رواد مسجد الغفران الذي ترعرع فيه وستفقده شوارع الحي وميادين الجهاد".

"خليل كان خلوقا يتمتع بروح جميلة تدخل إلى القلب، لا يحمل هما للموت أو غيره"، يتابع رفيق الدرب، ثم يضيف: "كان يتمتع بدرجة عالية من السرية وسعة الصدر والصبر، فهو لم يجزع عندما تأخر عن الإنجاب لسبع سنوات قبل أن يأتي طفله البكر والوحيد "باسم"، ولسانه دائم الحديث عن فضل الجهاد والرابط في أرض المقدس".

ومن المواقف التي تدلل على سعة صدر الشهيد خليل، أنه أصيب ذات مرة بجروح أثناء ممارسته كرة القدم بعدما دفعه أحد زملائه إلى الأرض وعلى إثر ذلك نشب خلاف بينهما، إلا أن الشهيد أصر على الذهاب إلى منزل صديقه في ساعات متأخرة من ذات اليوم ليعتذر ويطلب منه السماح.

وزفت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" في بيان عسكري شهيدها المجاهد خليل الدمياطي، الذي لقي ربه شهيدًا إثر انهيار نفق للمقاومة، ليغادر دنيانا وما غيّر أو بدّل ولا تخاذل أو تقاعس، بل نذر نفسه لله مجاهدًا حتى لقي الله على ذلك.