فيما يواجه الاحتلال جملة التحديات الأمنية والتهديدات العسكرية الخارجية، فإن ما يواجهه في الجبهة الداخلية ليس أقل تحديًا ولا أخف تهديدًا، بسبب الوضع الداخلي المعقد الأكثر إشكالية، خاصة ما يتعلق بموقع وزير الحرب يوآف غالانت، الذي أقاله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لكنه لم ينفذ إقالته على الأرض ميدانيًا، وظهر الجندي الأول لدى الاحتلال كأنه "ليس هنا ولا هناك"، ويستمر كرسيّه في التأرجح.
ولأن الواقع الأمني المعقد للاحتلال لم يفاجئ قيادته السياسية والعسكرية، فقد بات واضحًا أنه سبب عدم إخراج إقالة غالانت الى حيز التنفيذ، لكن الانطباع السائد لدى الإسرائيليين أن نتنياهو سيغلق الحساب معه في وقت أكثر ملاءمة، لأن أي سلوك شخصاني من هذا النوع سيظهره مهتمًا بتصفية حساباته الشخصية، فيما غالانت يبدي قلقًا على أمن الدولة أكثر من أي شيء آخر.
في الوقت ذاته فإن الشعور الإسرائيلي العام أن غالانت لن يبقى وزيرًا للحرب لفترة طويلة، لأن نتنياهو ما زال غاضبًا منه عقب عقد مؤتمره الصحفي الشهير حين كان في لندن، إذ ظهر أن سبب حديث الوزير الحرص على مصلحة الكيان الأمنية، وتحذيره من تردي وضعه، والخطر المباشر الذي يواجهه، ما تبعه تلقُّف الإسرائيليين لكلامه هذا بإظهاره "سيد الأمن"، فيما ظهر رئيسه نتنياهو بمرتبة "رجل أعمال"، وهذا التوصيف الأكثر خطورة في نظر نتنياهو.
مع توالي أحداث الأيام الأخيرة وتصعيد الصواريخ من مختلف الجبهات، توالت المطالب لنتنياهو بسحب إقالة غالانت، والإعلان على الفور أنه سيبقى الوزير الدائم، لكن ليس هناك فرصة كبيرة لحدوث ذلك، على العكس منه، لأنه في الأحداث المشتركة التي شاركا فيها في الأيام الأخيرة، كاد رئيس الحكومة أن يتجاهل وزير حربه بشكل شبه ظاهري، وفي الاجتماعات الأصغر والأضيق، ظهرت المسافة بينهما واضحة.
اليوم يتضح بما لا يدع مجالًا للشك أن نتنياهو لم ينفذ إقالة غالانت رسميًا بسبب تطورات الأحداث الأخيرة، ولم يرد أن يُترك بدون وزير حرب في هذه الأيام الحرجة، بعد أن بحث عن وزير بديل، ولم يعثر عليه، ما جعله يبقي عليه في منصبه دون خيار آخر.
الخلاصة أن هذا اللغز لا يزال مفتوحًا، والوضع الناشئ يعتبر الأكثر إشكالية من حيث إدارة الشؤون الأمنية والعسكرية لدى الاحتلال، فوزير الحرب لا هنا ولا هناك، صحيح أنه يستمر وكأنه يعمل كالمعتاد، لكنه لا ينبس ببنت شفة علانية عن علاقته بنتنياهو، بعد أن تسبب مؤتمره الصحفي التحذيري قبل أسبوعين بتحويله أحد أكثر الإسرائيليين شعبية بين يسار الوسط ودوائر اليمين، وتعمد نشر صورته الأخيرة بصحبة رئيسي الموساد والشاباك، ديفيد بارنياع ورونين بار، وليس نتنياهو.