في الوقت الذي شنَّت فيه دولة الاحتلال عدوانًا مزدوجًا على غزة ولبنان؛ ردًّا على صواريخ الجنوب، فإن هناك انطباعًا إسرائيليًّا سائدًا مفاده أن الرسالة العسكرية لن تكتمل أبدًا بدون رسالة دعائية إعلامية مصاحبة، سواء بالتركيز على تهدئة الجمهور الإسرائيلي المفزوع، أو ردع القوى المعادية للاحتلال التي اكتسبت زخمًا واضحًا، فضلًا عن الحصول على الشرعية من المجتمع الدولي.
تجدر الإشارة أن مجلس وزراء الاحتلال اجتمع في اليومين الأخيرين، وقرر الرد على إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، مع أن الأمر لا يحتاج لأن تكون خبيرًا أمنيًّا لتعرف أن ترميم الردع المتبدِّد كان أحد الأغراض الكامنة وراء هذه الخطوة باتجاه القوى التي تهدد الاحتلال، على الرغم من أننا أمام رسالة محدودة، لأنها لن تكتمل أبدًا دون وجود رسالة إعلامية دعائية مصاحبة لها.
الأسوأ من ذلك، أن الاحتلال يرسل تصريحات متناقضة أو ضعيفة للغاية، في حين أن قوى المقاومة لا تخفي رغبتها في تأجيج الساحة الفلسطينية منذ عدة أسابيع، انطلاقًا من شعار "الأقصى في خطر"، وعبر سياسة توحيد الساحات، في حين يستعد الاحتلال لاستقبال العديد من المناسبات الوطنية الفلسطينية الأكثر حساسية، فأمامنا يوم الأسير، وعيد الفطر، وذكرى النكبة، وغيرها من الأحداث القابلة للانفجار في كل لحظة، وكل واحدة منها أرض خصبة للتحريض والتعبئة من أجل تأجيج مشاعر الفلسطينيين، ولا سيما في المسجد الأقصى.
صحيح أن حادث إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان قد انتهى، على الأقل مرحليًّا، لكن شهر رمضان، كفترة حساسة ما زال يرافق الاحتلال، وبالتالي فإن الرسائل التي سينقلها في الأيام المقبلة تكاد تكون بنفس أهمية الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان.
مع العلم أن هيئات الدعاية الإسرائيلية عملت على تعميم ذات الرواية الكاذبة على وسائل الإعلام المحلية والدولية، وبطرق متنوعة، سواء الشرطة، والجيش، ووزارة الخارجية، ويفعلون ذلك ليل نهار، وبالتنسيق والتعاون، كل حسب قسمه، وحسب الرسائل في مجال خبرته، في حين تواصل قوى المقاومة محاولاتها للتحريض والتعبئة في الأسابيع المقبلة، في جهد لا تخطئه العين بإرباك أعياد الاحتلال الذي ما يفتأ ينغّص على الفلسطينيين انتهاك حريتهم في العبادة، كما شهد بذلك المسجد الأقصى في الأيام الأخيرة.
ليس سرًّا أن مشاهد شرطة الاحتلال وهم يضربون المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى تسببت في صدور جملة من الإدانات والاستنكارات الإعلامية على مستوى العالم، مع العلم أن خارجية الاحتلال تعمل مع وسائل الإعلام الدولية، لتغيير التغطية الموصوفة بأنها "منحازة" للفلسطينيين، سواء من خلال المكاتبات والرسائل، أو الزيارات السياسية والإعلامية التي يقوم بها كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين إلى تلك الوسائل حول العواصم الكبرى.