تطورات متلاحقة شهدتها الساعات الأخيرة، بدأت بإطلاق عشرات الصواريخ تجاه المستوطنات شمال فلسطين المحتلة، رد عليها الاحتلال بإطلاق ١٥ قذيفة تجاه الجنوب اللبناني، والطلب من مستوطنيه دخول الملاجئ، وصولا لتنفيذ عدوانه على غزة في ساعات المساء.
شكلت هذه الأحداث مفاجأة ثلاثية الأبعاد وقع فيها الاحتلال: أولاها في التوقيت فبينما كانت أنظاره تتجه إلى غزة تخوفاً من إطلاق صواريخ رداً على اقتحامات الأقصى، فقد باغته الجنوب اللبناني برشقة طالما ألفها مستوطنو الشمال، وثانيها الكمية والعدد حيث لم تتحسب الجبهة الداخلية لمثل هذه الرشقة الصاروخية بالعشرات منذ حرب لبنان الثانية في 2006، وثالثها في سبب الصواريخ المتعلقة بأحداث الأقصى، وكأن رسالتها أن "الأقصى معركتنا جميعاً"، داخل فلسطين وخارجها.
لقد دأب الاحتلال على التباهي دائما بمنظوماته الاستخبارية التي تحصي علينا أنفاسنا، لكنه في وضح النهار، فوجئ على حين غرّة، وبدون مقدمات، وسجل إخفاقا وفشلا لا تخطئهما العين.
مع مرور الساعات، أظهرت المتابعة الحثيثة لما يصدر عن الأوساط الاسرائيلية: العسكرية والأمنية، وجود توجه ما بجباية ثمن الإخفاق الذي مني به الاحتلال من غزة قبل لبنان، أو منهما معاً، بزعم أنهما وجهان لعملة واحدة، والرغبة الإسرائيلية بتلافي مواجهة غير مرغوبة مع حزب الله، رغم أن غزة لن تكون لقمة سائغة، باعتراف الاحتلال نفسه، لكنها قد تكون أقل وطأة، وأخف تورطاً إقليميا.
ومع ذلك فإن استهدافها بعدوان الليلة الماضية لن يمحو بسهولة أن "أحدا ما قد أتته غفوة في ساعة الحراسة"، فحصل ما حصل من سابقة شكّلت مصدر فشل للاحتلال، لم يتحسّب له، وفي الوقت ذاته فإن سياسة الردود الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية أدت إلى تآكل الردع، وفق اعتراف الاحتلال ذاته، مما أوجد أمامه معضلة بموجبها كيف يتجنب حدوث تصعيد خلال عطلة الأعياد اليهودية، عندما يقضي الكثير من الإسرائيليين إجازتهم في الشمال.
تخرج هذه السطور إلى حيز النشر، وقد انتهت الجولة الحالية من العدوان الإسرائيلي على غزة، بعد أن أتت أكثر انخفاضا مما تحدثت به أوساط الاحتلال منذ ساعات ما بعد إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، مما يفسح المجال لتحليل حقيقة ما حدث، فهل تعمّدت تلك الأوساط تضخيم الرد قبل وقوعه لشنّ حرب نفسية على الفلسطينيين، أم أن الحسابات السياسية والعسكرية للاحتلال لم تفضّل الذهاب إلى رد بعيد، خشية رد فعل المقاومة.
كل ذلك يجعل هذا الردّ الأوّلي الحالي دفعة تحت الحساب بانتظار تحيّن فرصة مناسبة، وربما الانتظار لما بعد الأعياد اليهودية، مع أن الساحة اللبنانية التي شهدت الحدث الأصلي لم تغب عن جعبة صناع القرار لدى الاحتلال، لكن الأمر قد يتعلق بالتوقيت، وتعقيداتها الإقليمية.