يصعب فصل ما شهده المسجد الأقصى من أحداث دامية وجريمة مدوية، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، عما تمر به دولة الاحتلال من تسلسل للتوترات الأمنية على مختلف الجبهات المحيطة بها من الخارج، فضلًا عن الأزمة الإسرائيلية الداخلية.
في تزامن واحد، تابع الفلسطينيون الجريمة الإسرائيلية في المسجد الأقصى مع التدفق المتواصل للأخبار القادمة من دمشق حيث يتواصل العدوان الإسرائيلي، في هجمات متلاحقة ومكثفة، فضلًا عما تواجهها من زيادة في التهديدات السيبرانية باتجاه مواقعها الحكومية، وصولًا لاستمرار إطلاق النار والهجمات المسلحة على الساحة الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية، ويصعب رؤية كل ذلك باعتبارها سلسلة من الأحداث المتصادفة، ولا سيما في أيام شهر رمضان الحساسة.
الصورة العامة الأكثر تعقيدًا من وجهة النظر الاسرائيلية، أن كل اللاعبين الإقليميين في خضم صراع محتدّ، تمهيدًا لصياغة قواعد اللعبة الجديدة، ويمكن لها أن تؤثر على مدى سنوات، بحيث قد ينزلق الصراع من بسهولة إلى تصعيد إقليمي متعدد المجالات، وهذا هو الخطر الأمني الهائل الذي قد يتعرض له رئيس الوزراء ووزير حربه، مما دفعه للإبقاء عليه، وعدم تنفيذ قرار إقالته الذي اتخذه في لحظة انفعال عابرة.
بالعودة عقد من الزمن إلى الوراء، وتحديدًا عندما بدأت دولة الاحتلال إستراتيجيتها "المعركة بين الحروب" التي استهدفت منع حزب الله من التعزيز بالسلاح بقدرات إستراتيجية، ومنع إيران من إقامة موقع أمامي قرب حدودها على طول الطريق نحو الأراضي السورية، فقد شنت مئات الهجمات نحو الأهداف فيها، بما في ذلك مطاري دمشق وحلب، في بعض الأحيان تحملت المسؤولية الرسمية عنها، وأحيانًا أخرى بقيت المسؤولية تحت السطح، ولم تتبنّ المسؤولية عنها، حتى وصلت الهجمات على قوافل السلاح في شمال العراق أيضًا.
مع العلم أن هذا العدوان الاسرائيلي متعدد المجالات بات متأثرًا بالضرورة بالتغيرات الجيو-استراتيجية العالمية، وما أوجدته الحرب الروسية الأوكرانية من نظام عالمي جديد، بما في ذلك تحالف إيران مع روسيا، التي تحتاج بشدة للطائرات بدون طيار، بجانب التغيير الجوهري المتمثل بمقاربة إيران والسعودية، وصولًا للأزمة الداخلية والتظاهرات الإسرائيلية الواسعة، وقد بات يُنظر إليها بأنها ضعف إسرائيلي.
أيًّا كان الرابط بين سلسلة الأحداث المتلاحقة على الصعيد الإسرائيلي والساحة الفلسطينية والجبهات الإقليمية، فإن ما شهده المسجد الأقصى في الساعات الأخيرة مثَّل ذروة العدوان الاسرائيلي الذي يتواصل ودون كوابح، في ظل قراءته لردود فعل القوى المعادية، ورغبته باستغلال اللحظة التاريخية الفاصلة التي لا يريد تفويتها، بوجود حكومة يمينية فاشية تسعى لإخراج المخططات العدوانية تجاه الأقصى من الأدراج إلى حيز التنفيذ على الأرض، ولعل اقتحام الأقصى واستهداف معتكفيه وسحل مرابطيه مثّل أولى الخطوات باتجاه ذلك التنفيذ.