فلسطين أون لاين

خلة: لابد للحاج أن يستمر على الطاعة

​"حج مبرور" ولتنتبه أنك لسَت معصومًا

...
غزة - فاطمة أبو حية

هي الفريضة التي يقضي كثيرٌ من المسلمين سنين طويلة في الشوق إليها ومحاولة أدائها، فللحج فضائل كثيرة، ربما من أبرزها أن الله يغفر للحاج ذنوبه، إن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه؛ فكيف له أن يحافظ على هذا الفضل العظيم؟

يقول الشيخ عبد الباري خلة: "نعم الله علينا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، أجلها وأعظمها الهداية لدين الإسلام، والتوفيق للطاعة، والإعانة على أدائها والقيام بها، ومن أجلّ الطاعات وأفضل القربات حج بيت الله الحرام؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ حَجَّ هذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّه)".

وفي حديثه لـ"فلسطين" يذكّر خلة بقول الله (تعالى): "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"، وقوله أيضًا: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"، وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وقوله: "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا".

ويشير إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يكثر من ترديد دعاء: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، وكذلك: "اللهم إني أعوذ بك مِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ"، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا سَافَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ"، قَالَ: "وَسُئِلَ عَاصِمٌ عَنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، قَالَ: حَارَ بَعْدَ مَا كَان".

ويبين أن المقصود هو النقصان بعد الزيادة، وقيل: هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية، أو الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، أو الرجوع عن حالة مستقرة جميلة.

ويضيف خلة: "لابد للمسلم أن يستمر على الطاعة بعد الحج؛ فإتباع الطاعة بطاعةٍ دليل على قبول الطاعة الأولى"، لافتًا إلى أن العمل المُدِاوم عليه محبوب لله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ".

وعن علامات قبول الحج يقول: "أمارة الحج المبرور حفظ الجوارح عن المعاصي، وقد سُئل الحسن البصري (رحمه الله تعالى): "ما الحجُّ المبرور؟"، قال: "أن تعودَ زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة"، فليكن حجُّك حاجزًا لك عن مواقعِ الهلكة، ومانعًا لك من المزالقِ المُتلفة، وباعثًا لك إلى المزيد من الخيرات وفعلِ الصالحات، واعلم أن المؤمن ليس له منتهى من صالحِ العمل إلا حلولُ الأجل، فما أجملَ أن تعود بعد الحج إلى أهلك ووطنك بالخُلُقِ الأكمل، والعقلِ الأرزن، والوقارِ الأرْصَن، والعِرض الأصون، والشِيَمِ المرْضية، والسجايا الكريمة!، ما أجملَ أن تعود حَسَنَ المعاملة لقِعادك، كريمَ المعاشرةِ لأولادك، طاهرَ الفؤاد، ناهجًا منهج الحق والعدل والسداد، المُضْمَرُ منه خيرٌ من المظهر، والخافي أجملُ من البادي!، فإن من يعُد بعد الحج بهذه الصفات الجميلة والسمات الجليلة فهو حقًّا من استفاد من الحجِ وأسراره ودروسه وآثاره".

ويضيف: "يظن بعض الناس أن من حجّ فليفعل ما يشاء، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا خطأ، ويظن بعضهم أن من حجَّ فإنه معصوم من الذنوب لا تقع منه معصية بعد حجه، وهذا خطأ فقد يذنب الحاج، لكنه عليه ألا يصر على معصيته بل يبادر إلى التوبة، فإن حج ثم عصى ثم رجع له كمال إيمانه".