يتضح أكثر فأكثر مع مرور الوقت أنه إذا لم يتم التوصل إلى إجماع إسرائيلي عريض على التغييرات في النظام القانوني، وزيادة مستويات المواجهة مع الشعب الفلسطيني، فسوف نكون عشية تطور أزمة خطيرة في العلاقات مع الولايات المتحدة قد تؤدي إلى عقوبات ضد الاحتلال، ربما لم تكن من قبل، نعم عقوبات!
القناعات الإسرائيلية المتّسعة رويدًا رويدًا أن حكومة نتنياهو تتسبب بإلحاق ضرر لا رجعة فيه بالعلاقات مع واشنطن، وبالتالي بأمن الاحتلال، حتى أن آخر استطلاع جديد للرأي العام الأمريكي تشير إلى تآكل في دعم الرأي العام الأمريكي للاحتلال، وانزياح تدريجي، ولو بطيء، لصالح الفلسطينيين، خاصة بين الليبراليين والديمقراطيين والأقليات والشباب، وصولًا إلى دعوة المشرّعين الأمريكيين لاشتراط المساعدة العسكرية للاحتلال بوقف الانقلاب القانوني، وسياسة اليمين المتطرف تجاه الفلسطينيين.
مع العلم أن الزيارة الفاشلة لوزير المالية سموتريتش لواشنطن سجلت أول عقوبة من إدارة بايدن بالفعل ضد حكومة نتنياهو، عقب منعه لأي مسؤول في إدارته من لقاء الوزير الفاشي، بجانب عكس ما كان معتادًا في الماضي عندما تولى رئيس وزراء إسرائيلي جديد منصبه، حيث لم تتم دعوة نتنياهو إلى زيارة البيت الأبيض، ما دفعه إلى الطلب من وزرائه تجنب زيارة الولايات المتحدة حتى يتلقى تلك الدعوة الرسمية التي طال أمدها للشهر الثالث على التوالي.
في الوقت ذاته، فإن قلة الزيارات والمحادثات مع واشنطن على مستوى رئيس الوزراء والوزراء تتسبب بالفعل بإلحاق ضرر جسيم بمكانة الاحتلال مع أهم حليف لها، حيث تظهر بوادر منها على اتساع الشقوق بينهما، ولا سيما أن الرأي العام الداعم كان ولا زال عنصرًا مهمًا في العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب.
وطالما عكس الكونغرس هذا الدعم بالموافقة على مساعدة عسكرية كبيرة للاحتلال، وفي القرارات المؤيدة له، وفي الانتقادات التي دأب المشرعون على توجيهها للرؤساء الأمريكان الذين اتخذوا إجراءات مناهضة للاحتلال، على قلّتهم، ولا زلنا نذكر توتر علاقة نتنياهو وأوباما في 2015 على خلفية النووي الإيراني.
وقد جاء الاتصال الأول من بايدن مع نتنياهو ليكشف عن فجوات متسعة في مواقفهما، حين كرر أن موضوع القيم يقع دائماً في أساس علاقاتهما، ما يستدعي إجراء تغييرات جوهرية في المنظومة القضائية على أساس أوسع دعم شعبي ممكن، وفي هذه المحادثة أيضًا لم يدعُ بايدن نتنياهو إلى زيارة البيت الأبيض، كما تأمل الأخير.
الأخطر في التوتر السائد بينهما صدور دعوات إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال، في ضوء مليارات الدولارات التي يحصل عليها، أو على الأقل للمطالبة بأن تكون مشروطة، مع وجود حكومة عنصرية تدير ظهرها لحل الدولتين، بعكس التوجهات الأمريكية.