تتزايد التقديرات الاسرائيلية بشأن تعاظم المؤشرات عن تضرر موقف الاحتلال في المنطقة، يضاف إليه مؤخرًا المحور المعادي لإيران في الشرق الأوسط بأكمله، بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وطالما أن من في واشنطن يشعرون بأن نتنياهو ورفاقه يديرون ظهورهم لاحتجاجاتها بسبب الانقلاب القضائي، فإن تعاونهما العسكري والسياسي الوثيق بات في خطر.
هذا يعيدنا إلى الجدل الاسرائيلي الذي بدأ ولم يتوقف بعد بشأن المسئولية على من يقع اللوم في اتفاق طهران والرياض، مع أن المسألة أكبر وأخطر من ذلك بكثير، وربما تتجاوز دولة الاحتلال ذاتها، بالرغم من أنها تجد نفسها في قلبها، بالنظر لتبعاته المباشرة والسريعة، وإن كان هذا التقارب في بعض مؤشراته يعكس مستوى المنافسة بين القوى في الساحة العالمية، فضلًا عن مستوى انتشار التكتلات السياسية في المنطقة.
لا يلغي ذلك حقيقة مفادها أن الاتفاق السعودي الإيراني ضوء تحذير للاحتلال، المنشغلة حكومته في الترويج للانقلاب القانوني، فيما الساحة الدولية والشرق أوسطية تتغيران بطريقة تعرض أهدافه الفائقة للخطر، خاصة الوساطة الصينية التي أدت إليها، باعتبارها فصلًا آخر في المنافسة بين القوى المتنافسة للسيطرة على الشرق الأوسط.
في الوقت ذاته، فقد تنامت الأجواء السائدة في دولة الاحتلال ومفادها أن هناك مخاطر متفاقمة تهدد مصالحها في المنطقة في السنوات الأخيرة، سواء بسبب الفشل في تشكيل تحالف إقليمي بقيادة أمريكا ضد طهران، بغرض محاولة وقف تقدمها نحو العتبة النووية، ونشاطها الإقليمي من جهة، ومن جهة أخرى السعي النشط المستمر لها ولوكلائها في المنطقة، لتعزيز هيمَنتهم، ولا سيما في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
الخلاصة أن ما تشهده المنطقة من تطورات متلاحقة، تحمل في مجموعها تآكلًا في موقع الولايات المتحدة من شأنه أن يقلق الاحتلال، على اعتبار أن أهم مخططين أعلنتهما الحكومة الحالية، تتعلقان بوقف البرنامج النووي الإيراني، وانضمام السعودية لاتفاقيات التطبيع، يعتمدان على التعاون العميق والسياسي والأمني والعملي بين تل أبيب وواشنطن.
في الوقت ذاته، فإن الدفء الإيراني في علاقاتها مع الصين سيودي لتعزيز ثقتها بالنفس تجاه دولة الاحتلال خصوصًا، والغرب عمومًا، بغرض ترسيخ "أنبوب التنفس الاقتصادي" الذي توفره الصين لها بمواجهة أمريكا، فضلًا عما يعنيه ذلك للاحتلال من زيادة فرص التنسيق بين عناصر المعسكر المناهض لأمريكا في المنطقة، والمتمثل بالمحور الروسي الصيني الإيراني، وكل ذلك يشوّش على مخططات الاحتلال المعلنة.
الغريب أنه تزامنًا مع كل هذه التطورات المتلاحقة التي تصبّ في مجموعها على تهديد مصالح الاحتلال، فإن الحكومة الحالية ما تزال تلقي بكل ثقلها على تنفيذ انقلابها القضائي، بالرغم من أنه بنظر الإسرائيليين أنفسهم، يمزق الدولة، ويضعفها من جميع الأبعاد، ويعكس انفصال الحكومة العميق عن أهداف سياستها الخارجية التي أعلنتها فور أدائها اليمين الدستورية.