لم يكن اتفاق تجديد العلاقات بين الرياض وطهران شأناً يخصهما فقط، أو يتعلق بتطورات الإقليم، وربما المجتمع الدولي، بل ظهر وكأنه شأن إسرائيلي داخلي، عقب انخراط الحلبة السياسية والحزبية والإعلامية في الحديث عن تبعاته، كونه شكّل انهيارًا في اللبنة الأساسية لجدار العزلة الذي حاول الاحتلال وشركاؤه بناءه حول إيران، وأعلن نتنياهو أنه سيحاول الحفاظ عليه فور عودته لمنصبه الحكومي.
يتزامن الاتفاق السعودي الإيراني مع جهود إسرائيلية حثيثة غير عادية شهدها العام ونصف العام الماضيين، انخرطت فيها المنظومتان السياسية والأمنية بأكملهما لحمل المملكة على إعلان التطبيع مع الاحتلال، لكن ما حصل قبل أيام وبرعاية صينية عُد تصدُّعًا في اللبنة المركزية في جدار العزل الإيراني، الذي بدا أنه على وشك السقوط، ما يعني أن التحالف الذي حاول الاحتلال والولايات المتحدة إقامته ضد طهران يتراجع القهقري.
تتواتر المحافل الأمنية والعسكرية الإسرائيلية طوال الأيام الماضية فرضية مفادها أن إعلان تجديد العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية يمثل ضربة قاسية للسياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، إذ قامت تل أبيب تحت مظلة واشنطن ببناء بنية إقليمية تعتمد تعاونًا استخباراتيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا مع دول الخليج، بلغت ذروتها في اتفاقات التطبيع، لكن الجائزة الكبرى التي سعت إلى تحصيلها هي محولة جلب الرياض للصورة.
ليس سرًّا أن الرياض وتل أبيب سارتا عدة خطوات باتجاه إعلان التطبيع، وإن لم تكن واضحة وعلنية، لكنها تمثلت في انخراطهما بسلسلة تدريبات عسكرية في الجو والبحر مع دول الخليج، مرورًا باتفاق حصول المملكة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، وصولًا إلى إنشاء وبناء نظام دفاع جوي إقليمي مشترك مع دول الخليج موحد تحت رعاية الأسطول الخامس الأمريكي.
في الوقت ذاته، ألمحت الرياض غير مرة أنها معنية باستعادة العلاقات مع واشنطن بعد أن مرت بسلسلة هزّات قوية، وشعورها أن الأخيرة تخلت عنها، عقب توقف المساعدات العسكرية، ولا سيما أنظمة الدفاع الجوي اللازمة عقب مهاجمة منشآت أرامكو، باستخدام طائرات مسيّرة، لكن القناعة السعودية وصلت تمامها كما يبدو بالتوجه شرقًا عقب قناعتها أن الإسرائيليين غير قادرين على جلب البضاعة من البيت الأبيض، على اعتبار القناعة السائدة بأن الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب، ولا سيما في ضوء التوتر بين نتنياهو وبايدن.
دلالات عديدة يحملها الموقف الإسرائيلي المحبط من الاتفاق السعودي الإيراني، أهمها خيبة الأمل بشكل رئيس، ولا سيما بعد قرار الرياض قبل ساعات رفض إعطاء تأشيرات دخول لوفد إسرائيلي دُعي إلى مؤتمر للأمم المتحدة بشأن موضوع القرى السياحية، في إشارة لا تخطئها العين بأن آمال الاحتلال بتحسين العلاقات مع السعودية سابقة لأوانها، واعتبار ذلك أولى ثمار اتفاقها مع طهران.