في الأماكن المفتوحة وبين أجواء الطبيعة يعطي نفسه مساحة خاصة لممارسة موهبته بالرسم والخط سواء بطريقة تقليدية مستخدمًا اللوحة والقلم، أو اللوح الرقمي. ولكن لا مجال للمقارنة بين رسوماته الجميلة زاهية الألوان، وبين إتقانها الخط العربي حتى تعتقد أن ما تراه من هو من طباعة ميكانيكية.
بدأت محاولات نضال فتاش من مدينة سلفيت لتعلم الخط العربي من خلال الإنترنت، وقد ساعده الالتحاق بتخصص التصميم الجرافيكي على تحويل موهبته في الخط العربي الكلاسيكي إلى مشروع "فزاعة" الريادي، والذي يقول إن يهدف لنشر جمال حروف اللغة العربية بتصاميم مميزة.
يقول فتاش "32 عاما" لصحيفة "فلسطين": "منذ اكتشاف موهبتي وأنا محب للفنون وخاصة الخط العربي، أمارسه على الدوام وأستمر في تعلم فنونه. عندما التحقت بدورة خاصة لتعلم خط الثلث، كانت تلك أول تجربة حقيقية لدخول مجال الخط باتقان".
بعد هذه الدورة تمكن فتاش من تحويل ما تعلمه واشتقاق خطوط وحروف عربية بالخط الحر المبني على قواعد الخط الكلاسيكي، ساعده في ذلك إجادته للتصميم الجرافيكي بتحويل المخطوطات إلى شعارات تجارية أو مخطوطات مطبوعة.
ويضيف: "كنت أحصل على دعم معنوي ممن يشاهدون أعمالي أو يطلبونها للاقتناء والشراء على شكل لوحات فنية، ومؤخرًا التحقت ببرنامج الجبل لريادة الأعمال حيث تلقيت دعمًا معرفيًا في ريادة الأعمال والتسويق وإدارة المشاريع، وفزتُ بمبلغ مادي ساعدني لأبدأ مشروعي الجديد فزاعة".
إيمان بالموهبة
خلال اعتقاله في سجون الاحتلال عام 2012 لم ينسَ "فتاش" موهبته. وقد أسعفه كراس لتعلم الخط وجده في مكتبة السجن للخطاط القدير وجدي العاروري، "إلا أنه لم تتوفر لدي الأدوات المناسبة لممارسة الخط، فقمت بعمل لوحات فنية بقلم الرصاص على ورق عتقته بالقهوة رسمت عليه الحياة اليومية داخل السجن بتفاصيلها المؤلمة والممتعة".
ويوضح أنه رسم كل مشهد أربع مرات، النسخة تم مصادرتها خلال تفتيش عشوائي لغرف السجن، والثانية ضاعت، وثالثة صودرت وخضعت للتحقيق في إثرها بتهمة رسم تفاصيل السجن لمحاولة الهروب، والرابعة خرجت بهم.
ويصف الخط العربي الكلاسيكي بأن أجمل الفنون بنظره، "فهو سهل ممتنع.. هندسة روحانية كما قالوا عنه له قواعد واستخدامات عظيمة محددة، جماليته الخاصة تتبع من روحه وروح الخطاط الذي يمارسه".
أما الخط الحديث الحر فله أساليب وأوجه متعددة، وليس مطلوبًا فيه الالتزام بقواعد الخط بالكامل إذ ينحكم ممارسه للقواعد الفنية العامة، ومن الممكن أن يكون عصريًّا وروحه شبابية أكثر، ومن الممكن أن يؤخذ من روح الخط الكلاسيكي أو ينفصل ليصبح أقرب لأسلوب التيبوغرافي، يقول فتاش.
وبين أنه استطاع بعد تدريب مكثف ومحاولاته متعددة لإنتاج لوحات فنية باستخدام ألوان الأكريليك الممزوجة بالخط الكلاسيكي وتنفيذ جداريات ويافطات قماشية، "استطعت تحويل المخطوطات إلى صور رقمية عبر برامج التصميم، وبدأت ممارسة الخط الحر أكثر لاستعماله في التصميم الجرافيكي، حتى وصلت إلى مشروع فزاعة لطباعة تلك التصاميم على البلايز".
أصل التسمية
وينشر فتاش أعماله على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي لا تقتصر على القمصان والبلايز وتشمل الهدايا الشخصية والأعمال والشعارات والمنتجات التجارية.
وعن سبب تسمية مشروعه بـ"فزاعة"، يجيب: "الفزاعة وجدت في أغلب ثقافات العالم واستعملها المزارعون لحماية محاصيلهم الزراعية من الطيور والحيوانات. وأعتقد أن في ذلك وجه مشترك بين تشكيلة الحرف العربي المميزة مقارنة بحروف اللغات الأخرى، فحروف العربية تظهر كالفزاعة وسط الأرض وما بها من لغات".
ويعتقد فتاش بوجود علاقة بين الرسم والخط فكلاهما نوع من أنواع الفنون، والخط تحديدًا له دور وظيفي أكثر من كونه جماليًا وهو يكاد الفن الوحيد الذي يميز الحضارة الإسلامية والعربية أكثر من غيره.
ويلفت إلى أن هذا المعنى حاول استخراجه بعد أن كان يفكر بطريقة لعرض البلايز التي يصممها، فاهتدى لاستخدام شكل الفزاعة بدلًا من "المانيكان" وهي كلمة فرنسية وتعني دمية على هيئة إنسان تُستخدم في متاجر عرض الملابس.
ويقول إن اسم "فزاعة" غير مستخدم تجاريًا في فلسطين وهو اسم معروف لدى الجميع ومميز وسهل الحفظ.
ويحلم فتاش بيوم يرى فيه فلسطين حرة بلا احتلال، وتعود العزة للدين واللغة العربية، وأن يحصل على إجازة في الخط العربي، وأن ينمو مشروع فزاعة ويتجاوز حدود فلسطين إلى أقطار الوطن العربي كافة.