من أروع ما جسدته، وطرحته، وأكدته ثورة الأسود المجيدة حتمية الاشتباك مع العدو الصهيوني، وحتمية استمرار هذا الاشتباك حتى النصر أو الشهادة. هذا الطرح وإن كان ليس جديدا في مضمونه، فإنه يؤكد إستراتيجية هذه الثورة العظيمة، وهي أن لا تراجع عن المقاومة، ولا تراجع عن الاشتباك، ولا بديل عن هذا النهج المقاوم؛ لطرد العدو وتحرير الأرض والمقدسات من دنس الاحتلال النازي البغيض.
الاشتباك حتى الاستشهاد يؤكد أن المقاومة ليست مناورة، ولا مجرد "طق حكي" وتنظير عن بعد لا يمس الواقع، وإنما هي شهادة واستشهاد، وتضحية وفداء، يصدق فيها قول الشاعر:
يجود بالنفس إذا ضن البخيل بها
والجود بالنفس أغلى غاية الجود
وهو ما يعلي من قيمة هذه الأيقونة العظيمة بين أبناء شعبنا المجاهد، وخاصة بين الشباب الثائر الذي اختار الطريق الأصعب، والطريق الأشهر الممهور بالدم، وهو طريق الخلود.
هؤلاء الأسود قلبوا الطاولة في وجه العدو الغاصب والمفرطين، وفي وجه السماسرة الذين باعوا الوطن بثمن بخس دراهم معدودة.
طريق الثورة -يا سادة- هو طريق الدم المهراق، «وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق». طريق الثورة هو طريق الشهادة، طريق الثورة هو طريق الخلود، وهو طريق النصر للخروج من مستنقع الهزيمة، والطريق الوحيد لاسترجاع الكرامة والعزة،
ومن هنا، وبعبارة واحدة نقول ولا نتعب من القول بأن المقاومة هي الطريق الأسرع للخلاص من الاحتلال، والطريق الأسرع لاسترجاع الكرامة، وعودة فلسطين العربية طاهرة مطهرة من رجس الصهاينة إلى حضن أمتها العربية الماجدة، وعودة أمتها إليها، والطريق الأسرع لتطهير أرضها من الفيروسات التي عشعشت في تربتها وسمائها وهوائها ومائها، وسرقت ملحها.
معادلة صعبة جدا رسمتها، لا بل حفرتها هذه العبارة المقدسة: «الاشتباك حتى الشهادة» في قلوب ووجدان أسود الثورة، قبل أن تزين أخمص بنادقهم، وهي دعوة للقيادة الفلسطينية بأن تخرج من مستنقع العجز والاستسلام وهي الحكم بإعدام مشاريع التسوية والتنازل والتفريط، ومن وقع عليه «من قيادة أوسلو»، ووأد التنسيق الأمني المذل، وقطع دابر الجواسيس والمخبرين، ودعاة التعايش والنوم مع الأفعى الصهيونية، وقبل ذلك هي رسالة إلى الوسطاء بأن يكفوا عن الاستهتار بالدم الفلسطيني، وقد خاضت خيل الصهاينة فيه حتى الركب، كما خاضت خيول الصليبيين في دماء المسلمين في القدس.
لم يكتب تاريخ الاستعمار أن بلدًا ما تحرر بالسياسة أو بالوسائل الدبلوماسية، فلم تتنازل فرنسا ولا بريطانيا ولا حتى بلجيكيا والبرتغال عن أي من مستعمراتها في إفريقيا أو آسيا أو أمريكا الجنوبية، بل قامت بريطانيا بتسليم فلسطين العربية إلى الصهاينة وجنوب إفريقيا إلى البيض وكشمير إلى الهند.
لا مناص «وهذا ما طرحته المقاومة الباسلة» من الأخذ بالعبارة الجميلة الرشيقة:
"الاشتباك حتى الشهادة" لاسترجاع الأرض والكرامة،
وهذه هي أقصر الطرق للحياة الكريمة، وسوى ذلك تحطيب في حبال العدو. وحي على المقاومة والجهاد.