ليس سرًّا أن الولايات المتحدة نظمت "علاقة خاصة" مع الاحتلال على مرّ السنوات على أساس المصالح المشتركة، وضغوط اليهود الأمريكيين، لكن من الواضح أن الحكومة الجديدة تعرّض هذه المصالح للخطر، وفق قناعات عديدة في (تل أبيب).
صحيح أن بايدن ووزراءه هنؤوا نتنياهو بتشكيل حكومته، ووعدوا بالحفاظ على علاقاتهما الجيدة، لكنه لا يلغي تشكيكهم من التحالف الحكومي، وانتقدوا بشدة تحركاته الضارّة بالمصالح الأمريكية عقب اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، والخطوات الاستيطانية بالضفة الغربية.
في حين تترقب الأوساط الإسرائيلية أن يصل عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين لتحذير نتنياهو، وجهًا لوجه من تغييرات بعيدة المدى، فإن الاستنتاج الطبيعي أنّه إذا نفّذ نتنياهو جزءًا صغيرًا فقط من الاتفاقيات الائتلافية التي وقعها مع شركائه الفاشيين، فإن القراءة الأولية تشير لتدهور في العلاقة مع الولايات المتحدة، ووصولها إلى أزمة حادة، قد تعرض أمن الاحتلال للخطر، وتراجع حمايته في المؤسسات الدولية، وانخفاض سقف التعاون الإقليمي بموجب اتفاقيات التطبيع.
تنظر النخبة السياسية الأمريكية إلى بن غفير بأنه الخليفة الأيديولوجي للحاخام مائير كهانا الذي قتل قبل ثلاثة عقود، وصنّفت منظمته بأنها "إرهابية"، ما يجعل ممارساته العنصرية بنظر واشنطن، خطوة لتغيير الوضع الراهن في الأقصى، واستفزازًا خطيرًا قد يشعل المنطقة بأكملها.
على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، تنظر المحافل الأمريكية لحلفاء نتنياهو ولا سيما المتدينين المتشددين، وما أعلنوه من "قوائم سوداء" تخص اليساريين والشاذين على أنها رديفة لقوائم الاضطهاد في الخمسينيات بحق السود والشيوعيين، ما سيزيد العنصرية والتمييز بين الإسرائيليين أنفسهم، وصولًا لاتساع وتعميق الصدع المتزايد مع يهود الولايات المتحدة.
صحيح أن إدارة بايدن تدرك منذ زمن طويل أنه لا توجد فرصة في هذه المرحلة لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية، وحلّ مقبول للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن مثل كل الإدارات الأمريكية سواء كانت الجمهورية أم الديمقراطية، فهي تدعم حل الدولتين، وتعارض أي تحرك من قبل شركاء نتنياهو الذين يمهدون الأرضية لتنفيذ خطة الضمّ بتعديل قانون الانفصال، ما يعد وصفة أكيدة لصدام مباشر بين بايدن ونتنياهو.
خارجيًا تحدث نتنياهو مع بوتين، واتصل وزير خارجيته كوهين بنظيره لافروف، ما مثل انتهاكًا لمصالح واشنطن التي تعرّفهما أنهما مجرما حرب، صحيح أن للاحتلال مصالح أمنية في سوريا، ويحتاج لتنسيق عدوانه مع روسيا لكن في نظر الأمريكيين، فإن المحادثات معهما تتجاوز التنسيق المطلوب، وتعطيهم الشرعية.
الخلاصة أنه إذا زاد الائتلاف الحكومي من تعارضه مع المصالح الأمريكية، فقد يضرّ ذلك بمساعداتها السنوية، وتزويد الاحتلال بالسلاح، وحمايته في الأمم المتحدة، وصولًا لأن يصبح نموذجًا جديدًا من جنوب إفريقيا العنصرية.