لم يكن اقتحام بن غفير المسجد الأقصى حدثًا استفزازيًّا عرضيًّا من قبله ضد الفلسطينيين فقط، بل هو نهج إسرائيلي حكومي رسمي بامتياز، رغم وجود اختلاف في التوقيت، صحيح أن الاقتحام قد مرّ، وترك في نفوس الفلسطينيين غصة كبيرة، وأن ما أحدثه من عاصفة في الدول العربية والعالم أجمع، فضلًا عن صدور تهديدات فلسطينية، قد يجعل الأمور تتطور بسرعة لتصعيد غير متوقع.
تداول السياسيون في بيانات إداناتهم عبارة متكررة، وتتمثل في رفض المسّ بما يعرف بـ"الوضع الراهن"، القائم في المسجد الأقصى، وهي عبارة تعود لعام 1967، إذ بدأ احتلال شرقي القدس، وقرر وزير الحرب الأسبق موشيه ديان أن إدارة الأقصى ستبقى في أيدي الأوقاف الإسلامية، مستندًا في ذلك لترتيبات أردنية وبريطانية وعثمانية، وحملت مضمونًا مفاده أنه "إذا ذهب اليهود للأقصى، فستطردهم قوات الأمن باتجاه حائط البراق".
مع مرور الوقت، ومنذ 1996، حصل تآكل دراماتيكي وتدريجي لـ"الوضع الراهن"، ولم يعد كما كان في ذلك الوقت، فقد مرت ثلاثون عامًا من الاتفاقات الصامتة والسرية بين شرطة الاحتلال والأوقاف على أساس أسبوعي، وأحيانًا عبر تنسيق يومي، لكن منذ اندلاع انتفاضة النفق آنذاك إبان الولاية الحكومية الأولى لنتنياهو، حدث تدهور كبير فيما يسمى "الوضع الراهن".
لاحقا، حصل اقتحام أريئيل شارون للمسجد الأقصى في سبتمبر 2000، وما تبعه من اندلاع انتفاضة الأقصى، وفي عام 2003 فرض الاحتلال من جانب واحد إجراء ميدانياً، صحيح أنه لم يشمل شرعنة اقتحام الأقصى، لكن السنوات اللاحقة شهدت زيادة في إجراءاته لتثبيت جملة من السياسات الميدانية التدريجية المتصاعدة نحو تحويل أي اقتحام إلى أمر روتيني، بحيث تعمل شرطة الاحتلال ببطء على تعميق وجود المستوطنين اليهود في المسجد، تحت ضغط من السياسيين المتطرفين.
وبعد أن قرر الاحتلال في 2015 إبعاد حراس الوقف عن مرافقة المجموعات المقتحمة، فقد أصبح للمستوطنين حرية أكبر في الاقتحام، مع وجود تنظيم لافت للعديد من جماعات الهيكل التي تتلقى الدعم الحكومي الرسمي.
أما في السنوات الخمس الماضية، فقد حدث تغيير جذري في اقتحامات اليهود للأقصى، سعياً من الاحتلال لتحويل منطقة باب الرحمة ببطء إلى منطقة يهودية، خاصة عقب وقوع عملية فدائية في 2017 أسفرت عن مقتل جنديين محتلّين، وحينها حظر الاحتلال على الفلسطينيين دخول الأقصى لأسبوعين تقريبًا، في حين سمح للمستوطنين باقتحامه، بما في ذلك الوزراء وأعضاء الكنيست، وأصبح لسان حال الفلسطينيين والمسلمون يقول إن "الأقصى يسرق منا".