سواء أكان ما حصل من اقتحام سافر للمسجد الأقصى من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، تحدّيًا للفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل العالم أجمع، أم خديعة لهم، بعد تسريب نبأ طلب نتنياهو منه تأجيل هذا الاقتحام، فإنه في النهاية نفذ تهديده، وفعلها في باحات الأقصى.
لا يختلف اثنان على أننا أمام وزير أهوج فاشي ليس لديه متسع من الوقت لتقييم النتائج والتبعات التي قد تترتب على أسلوبه الأرعن في اقتحام الأقصى، وهي المسائل التي تشغل كثيرًا المحيطين به في وزارته الموسعة، فالكثير منهم حمل على كاهله نتائج ما قام به مع جوقة المستوطنين في مايو 2021 من خلال التهديد بتنفيذ مسيرة الأعلام في رحاب الأقصى، ومهاجمة المقدسيين في حي الشيخ جراح، لكنهم اليوم لم يعودوا أمام مستوطن يمكن منعه بقرار حكومي أو قضائي، بل هو وزيرهم الذي يصدر التعليمات لهم، ولا يتلقاها منهم.
اللافت أنه بعد أن سادت حالة من الهدوء النسبي لدى الأوساط الفلسطينية والعربية عقب صدور خبر مفاده أن محادثة ابن غفير مع نتنياهو أسفرت عن اتفاقهما على تأجيل اقتحامه هذا للأسابيع المقبلة، عقب التهديدات الفلسطينية والتحذيرات الإسرائيلية من هذه الخطوة المتهورة، مما دفع غالبية الأوساط لوصف نتنياهو كشخص مسؤول، وينجح بالسيطرة على وزرائه المتهورين وغير المدروسين، لأن ممارساتهم غير المنضبطة كفيلة بالتسبب بالفعل في أضرار لا حصر لها: سياسيًّا وأمنيًّا.
ابن غفير فاجأ الجميع تقريبًا باستثناء أجهزة أمن الاحتلال التي منحته الضوء الأخضر بتنفيذ الاقتحام، ولو في ساعات مبكرة بعد مغادرة المصلين من صلاة الفجر، وقبيل حشودهم في ساعات النهار، الأمر الذي يحقق له مراده، ويظهره كمن أوفى بوعوده لناخبيه اليمينيين من جهة، ومن جهة أخرى، الحيلولة دون أن يكون هذا الاقتحام حدثًا متفجرًا.
مع تزامن اقتحام الأقصى في ظل الظروف الحالية مع تشكيل الحكومة، وإعلان خطوطها الأساسية، فإنه يُنظر إليه بالفعل على أنه استفزاز سياسي، لأنه لا يحمل سوى معنى واحد وهو تثبيت العديد من الوقائع على الأرض، وخوض سباق مع الزمن، واتخاذ المزيد من الإجراءات الساعية لتغيير ما يعرف بـ"الوضع الراهن" في المسجد الأقصى، مما يتطلب مزيدًا من الاهتمام والتحضير من جانب جيش الاحتلال.
صحيح أن حكومة الاحتلال لا تبدي اكتراثها، على الأقل هكذا تظهر، بالتهديدات الفلسطينية، لكن أوساطها تدرك في الوقت ذاته أنه في الظروف الحالية تبدو أجواء الفلسطينيين مشبعة بالفعل بأبخرة الوقود، والدول العربية والعالم يراقب عن كثب تحركاتها الأولى، مما قد يكون للاقتحام تأثير سلبي على علاقات الاحتلال، ليس فقط مع الأردن والفلسطينيين، بل مع الدول العربية والعالم الإسلامي بشكل عام، مع التذكير بما حصل عقب اقتحام شارون للأقصى، واندلاع الانتفاضة!