كعادتها تمنح دولة الاحتلال الملف الأمني مركز الصدارة في أجندتها الحكومية، مع الواقع الذي تحياه من تصاعد التهديدات العسكرية، وتفاقم التحديات الأمنية، ما يجعل شخصية وزير الحرب ذات مركزية لافتة على طاولة حكومة نتنياهو السادسة، ولا سيما أن الحديث يدور عن الجنرال يوآف غالانت، الذي سيتولى منصبه بعد أحد عشر عامًا من إلغاء تعيينه رئيسًا للأركان، وهو الذي قاد جيشه في العدوان على غزة في مثل هذه الأيام من عام 2008.
ما من شك أن موقع وزير الحرب يعدُّ من أصعب المناصب التي يشغلها أي وزير إسرائيلي، فالدولة كلها تلقي بأعبائها الأمنية على كاهله، وهو يستشعر أن أي خطأ أو إخفاق يقع به جيشه سيكون هو كبش الفداء للتضحية به، إن لم يكن بالإقالة أو الاستقالة، فعبر لجان التحقيق والانتقادات التي تنهال عليه، كما "تتكاثر السكاكين على الثور المذبوح".
من الواضح أن أجندة غالانت ستكون مزدحمة كثيرًا بالملفات العاجلة والحرجة، ربما تبدأ بموجة من العمليات الفدائية المتصاعدة في الضفة الغربية منذ بداية العام الذي طوى صفحته للتو، تزامنًا مع استمرار عملية "كاسر الأمواج" التي شنها جيش الاحتلال لوقف هجمات المقاومة، خاصة في نابلس وجنين، ولا تنتهي أجندته بمواجهة الملف النووي الإيراني، وانتشار قواتها في عدد من عواصم المنطقة المحيطة بالاحتلال، على الرغم من أن هذا الملف بحاجة إلى غطاء سياسي من الولايات المتحدة.
بين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والملف الإيراني تظهر أمام غالانت جملة تهديدات أخرى، تتعلق بما يعانيه الجيش من إشكاليات بنيوية، ومخاطر خارجية، لا يبدو أنه سيتخلص منها في المديَين المنظور والمتوسط على الأقل، مع تزايد التهديدات المحدقة بالدولة، التي قد لا تجعله يمتلك الوقت الكافي لإصلاح الأعطاب والعيوب والثغرات التي تهدد بنيته العسكرية، وهيبته المفقودة.
مع العلم أن غالانت، وهو ابن المؤسسة العسكرية، لديه القدرة أكثر من سواه على وضع يده على أهم مشاهد القلق، والإحباط التي يشعر بها الجنود، والضباط عقب انتهاء العديد من المواجهات التي خاضها الجيش، ووفق أقل القراءات حِدّة لم تكن نتائجها "مُرْضية"، ما أدى إلى تشكيل عدد من اللجان الرسمية، والبرلمانية، والبحثية لمعرفة أين الخلل، وكيف حدثت الإخفاقات، ولم حصل ما حصل أساسًا.
من المتوقع أن ينصرف غالانت إلى معالجة مظاهر تبدد قوة الردع، التي أُصيبت في مقتل، عبر عدة شواهد عاشها الجيش في السنوات الأخيرة، إذ تبددت هذه القوة تحت وطأة ضربات المقاومة، وأثبتت المعارك مع مقاتليها إمكانية تحقيق تكافؤ في التدريب النوعي، إذا تحولت العقيدة القتالية من اعتماد الكميَّة إلى النوعيَّة، وجاءت صواريخها لتبدد الحلم الإسرائيلي بأن تحارب وراء الحدود، وتبقى في مأمن داخلي مطمئن!