متى يخرج المواطن عن صمته؟ ومتى يبدأ الشعب بتوجيه الأنظار إلى المسؤولين والتدقيق في حياتهم الخاصة؟ الجواب بسيط جدًا، عندما يرى أن حياته أصبحت لا تطاق بسبب الفقر والعوز وانعدام الأمل، وهناك أسباب متعددة تؤدي إلى الوصول إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي، وتردي أوضاع الشعوب، وحدوث القلاقل وعدم الاستقرار.
إهدار المال العام من أهم تلك الأسباب، ويحدث بصور متعددة، ربما تبلغ المليارات، وأكثر ما يستهلك المليارات وضعها في مشاريع غير إنتاجية وغير ضرورية، مثل بناء الإنشاءات والطرق والمرافق السياحية والرياضية، أو الاهتمام بمظهر المدن على حساب ساكنيها، كل ما ذكرناه يوفر فرص عمل مؤقتة، ولكن لا يخدم الاقتصاد، بل يسرع في انهياره، عندما تكون موارد الدولة قليلة، وتعتمد على المساعدات الدولية، ومن الأبواب الواسعة التي يهدر بها المال العام النفقات غير المنطقية، وكذلك الاختلاسات، سواء من المفسدين الكبار أو صغار الفاسدين واللصوص، مع غياب الرقابة التي لا تُفعل إلا لتصفية الحسابات الشخصية، أو لتطبيقها على صغار الفاسدين.
هذا المقام لا يسمح بالاستفاضة في الحديث عن إصلاح الحالة الفلسطينية -إن كان هناك من يستمع أو يلتفت لما نقول- ولكن لا يعقل في الظروف التي نعيشها أن تكون هناك رواتب خيالية، وكما يقول المواطنون: "ما الذي يفعله ذاك المسؤول لي كمواطن أو حتى للوطن حتى يتقاضى هذه الأموال؟"، وأنا أقول: لماذا يتقاضى كبار الموظفين عشرات أو مئات آلاف الشواقل؟ لماذا لا تُربط رواتب كبار الموظفين، والمسؤولين من وزراء ونواب بمتوسط دخل الفرد الفلسطيني؟ فإذا كان متوسط دخل الفرد 1500 شيكل ليكن دخل المسؤول 1500 دولار مثلًا، أو 2000 دولار، سواء كان عضو مجلس تشريعي أو وزيرًا، بشرط أن يقوم كل منهم بواجبه، ثم لماذا يتقاضى أعضاء في منظمة التحرير رواتب على حساب الشعب؟ ولماذا رواتبهم عالية؟ هذه بعض الأمثلة، ولا بد من استدراك الأمر ما دام يمكن استدراكه.
الأمر الآخر الذي لا بد من الاهتمام به هو خلق فرص عمل حقيقية ومحاربة البطالة، نريد أن نرى مشاريع إنتاجية واستثمارية للاعتماد على الذات، وعدم انتظار مخصصات الشؤون الاجتماعية وغيرها من المعونات غير اللائقة بشعبنا المجاهد، ولا بد من دعم المشاريع الموجودة، وعدم إرهاقها بالضرائب والاشتراطات والتضييق عليها بالمنتجات الأجنبية البديلة، وهذا باب يحتاج إلى متخصصين للاهتمام به، ولكنني أذكِّر به.
والأمر الأخير الذي لا بد من التذكير به هو ضرورة وجود رقابة لحماية المال العام، وتفعيل سياسة "من أين لك هذا؟"، يعنصي مثلًا شخص راتبه 10 آلاف دولار وزوجته بالمثل، فكيف استطاع جمع ملايين الدولارات في عدة سنوات؟ استطاع جمعها لأنه ينظر إلى فلسطين كعزبة ومشروع استثماري يخه، ولا ينظر إليها كوطن، مع غياب تام للمساءلة.