كم هو قاسٍ نبأ استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، على الرغم من أنه كان متوقعًا، لأن الأوضاع الصحية تمثل معضلة أساسية ورئيسية للمعتقلين داخل سجون الاحتلال، فالإهمال الكبير من إدارة السجون، يعد سياسة تهدف إلى الحكم بالإعدام البطيء على المرضى منهم.
تتحدث الأرقام أن عدد الشهداء داخل السجون بلغت 233 منذ عام 1967م، 74 شهيدًا منهم ارتقوا نتيجة الإهمال الطبي أو القتل البطيء، ووصل عدد المصابين بأمراض مزمنة، خاصة الأورام والسرطان، إلى 23 أسيرًا بحاجة إلى متابعة طبية مكثفة، وعمليات جراحية سريعة، فضلًا عن آلاف آخرين مصابين بأمراض أقل فتكًا.
يعاني المعتقلون قائمةً طويلة من الأمراض، أهمها: العيون، والأزمة الصدرية، والقلب، والمثانة، والفتاق، والجيوب الأنفية، والكلى، والروماتيزم، والعمود الفقري، والقرحة، والغضروف، والضغط، وضيق التنفس، والأمراض الجلدية، وكسور الحوض، والحصوة، والأسنان، ودأبت مصلحة السجون بين حين وآخر، على إجراء تقليصات في مواد النظافة المتعلقة بالجانب الصحي.
كما يعاني المعتقلون من الناحية الصحية والطبية جملةً من المشكلات، أخطرها حرمانهم من العناية الطبية، وعدم تقديم العلاج اللازم، الذي يقتصر على إعطاء الماء والأسبرين والأدوية المسكنة الأخرى، أما بالنسبة للحالات الصعبة فمن يحالون إلى المستشفيات لا يحصلون على المعالجة الطبية الكافية، وبعضهم يعود إلى المعتقل دون علاج، وهناك العديد من الحالات الصحية الصعبة والمصابين بأمراض مزمنة يتحتم إخراجهم من المعتقل، ووضعهم تحت الإشراف الطبي الدائم.
وترفض إدارات السجون السماح لأطباء فلسطينيين معتقلين بمعالجة زملائهم، فضلًا عن عدم وجود أطباء إسرائيليين مقيمين في السجون، وبالعادة لا يوجد في عياداته إلا الممرضون فقط، ما يحول دون تحويل المعتقلين المرضى إلى المستشفيات، خاصة من هم بحاجة إلى متابعات صحية سريعة وطارئة، ومن ذوي الحالات المرضية الخطرة، لأن عمليات التحويل تخضع لإجراءات بيروقراطية معقدة، تستمر أشهرًا يكون فيها المرض قد استفحل، دون اهتمام حقيقي من مديريات السجون.
مع أن ظروف نقل المعتقل المريض إلى المستشفيات تستغرق مدة طويلة، متنقلًا من سجن لآخر، ثم إلى المستشفى، وعملية النقل بهذا الشكل تؤدي إلى تفاقم وضعه الصحي، بجانب المماطلة في إدخال دواء من خارج السجن مع الأهالي، إذ لا يسمح في أحيان كثيرة بدخولها معهم، خاصة تلك التي لا توفرها إدارة السجن للأسرى المرضى.
إن استشهاد الأسير ناصر يمثل رسالة احتلالية لا تخطئها العين، مفادها أن الأسرى سيعيشون ويموتون خلف القضبان، ما يستدعي رسالة مقابلة من أصحاب الشأن، مفادها أن أسرانا سيكونون بيننا، عاجلًا أم آجلًا، صحيح أن الثمن كبير، والتكلفة باهظة، لكننا شعب أبطاله خلف القضبان، قضوا زهرة شبابهم في الزنازين، لا نملك كثيرًا من الخيارات، وليس أمامنا رسالة لهم إلا خيار واحد، إما الحرية وإما الحرية.