فلسطين أون لاين

الأثمان الإسرائيلية لتجنيد الجواسيس خارج الحدود

يعدُّ نشر جهاز الموساد، ولأول مرة، ما جاء في آخر برقية تلقاها في يناير 1965م من جاسوسه الشهير إيلي كوهين، قبل ساعات من اعتقاله، وإعدامه في دمشق، فرصة لكشف ما يمكن وصفها بتفاصيل أمنية جديدة عن إلقاء القبض عليه، وسط اتهامات وجهت إليه بالاستهتار في إجراءاته الأمنية، أو حدوث خلل في عمل الجهاز ذاته، ما شكل دافعًا لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية لإعداد أعمال وثائقية سعيًا منها لتقديم إجابات أكثر دقة حول حقيقة ما حصل بالضبط معه.

مع أن عائلة كوهين تتهم الاحتلال بأجهزته السياسية والأمنية بتجاهل مسؤولياتها تجاه تجنيده، وكشفه لاحقا، ما تسبب بإعدامه، ويتمسكون بروايتهم المتمثلة بأنه تعرض للخذلان والتخلي عنه، خصوصًا بعد اتهام رئيس الموساد آنذاك إيلي عاميت له بأن الجهاز لم يرتكب أخطاء في التعامل معه بالتواصل، وألقيَ القبض عليه لأنه تهاون في إجراءاته الأمنية، وشعر بثقة زائدة في تحركاته واتصالاته، ما أوقعه في خطأ لم يستطع استدراكه.

من أجل تنشيط الذاكرة العربية، فإنّ كوهين هذا، وبسبب معلوماته الحصرية، تمكن العدو الإسرائيلي من احتلال مرتفعات الجولان في 1967م، وإنقاذ حياة ألوية كاملة من جنود الجيش، بعد انتحاله شخصية رجل الأعمال السوري كامل أمين ثابت، وأصبح مسؤولًا كبيرًا مرتبطًا بالدولة هناك، وبات ينقل معلومات استخبارية مهمة للاحتلال، وكاد أن يكون وزيرًا، قبل أن يحاكم في محاكمة عسكرية، وشنق في النهاية في ساحة العاصمة دمشق.

تكشف قضية كوهين التي أثيرت في الأيام الأخيرة عن الأثمان الباهظة التي يدفعها الاحتلال بسبب عمليات التجسس على الدول المحيطة به خارج الحدود، صحيح أن الجميع يتحدثون عن نشاطات الجواسيس التخريبية، وإنجازاتهم الخطيرة لأمن الاحتلال، لكنْ قليلون من يتحدثون عن الأثمان التي يدفعونها، دون أن يمنع ذلك مشغليهم من الاستمرار في تجنيد المزيد منهم، وعلى الرغم من أننا اليوم في عصر التكنولوجيا، لكن الاحتلال ما يزال بحاجة للتجسس البشري، ويواجه صعوبة بأن يجد له بديلًا من الأجهزة التقنية والفنية.

لا يعني كلام الإسرائيليين عن الأثمان التي يدفعها جواسيسهم في الدول العربية والإسلامية المعادية ألّا يواصلوا مهامهم الاستخبارية خارج الحدود، فهذا ركنٌ أساسي في عملهم الأمني، لكنّ الحديث يدور عن تجنيد من هم أكثر احترافية، وأقل انكشافًا لأمرهم، كما حصل في عدد من عمليات الاغتيال التي وقعت في السنوات الأخيرة. 

ربما الحديث الإسرائيلي الجديد عن كوهين مناسبة لدى أجهزتهم الأمنية أن تشرح لجواسيسها عن جهوزية المخاطر التي تحيط بعملهم، بما فيها حياتهم الشخصية، والتفكير بطريقة "جيمس بوند"، وأن يعيشوا حياة الظلال، دون أن يشكل كل ذلك ضمانة لئلا ينكشف أمرهم، وتكون عاقبتهم وخيمة!