فلسطين أون لاين

التفريط

يصر الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز الشلل العام في كل أروقة وجوانب القضية الفلسطينية حتى يستكمل مخططاته الأمنية التي تقضي على كل أمل فلسطيني لدحره والتحرر منه، فبدأ مسلسل الالتفاف على منظمة التحرير الفلسطينية من خلال كل الأدوات المحلية والإقليمية والدولية، وتم نهشها من الداخل بطريقة احترافية أبقت على رمزية الشخوص ومسحت معادلة التحرير وأسقطت من أبجدياتها الكفاح المسلح وبات التحرير حلما والتمرير واقعا.

تخرج الأصوات بين الفينة والأخرى لإصلاح المنظمة، فتكون الردود أمنية ميدانية واعتبار من يطالب بذلك خارجا عن الصف الوطني ولديه أجندة خارجية.

تعمق التفريط الممنهج في إقصاء الألوان الأخرى أولاً ثم الشخصيات المؤثرة في داخل المنظمة إلى أن أصبحت ديكورا يحمل شعارا ويسقط أهم مضمون وجدت لأجله وارتبطت أكثر بفكرة سلطة انبثقت عن اتفاقية أوسلو وصندوق استثمار لا يعرف الشعب أين أمواله.

الشلل العام أصاب القضية بإخماد انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧ باغتيال القيادات الفلسطينية بينهم أبو إياد وأبو جهاد والكمالين، وتطورت الأمور لإبعاد قيادات حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان ليخيموا هناك في مرج الزهور رفضا للإبعاد ليتوسع الاعتقال والقتل والمجازر التي حدثت أبشعها في فبراير عام ١٩٩٤ في الحرم الإبراهيمي على يد المستوطن "باروخ غولدشتاين" تزامنا مع مجازر المسجد الأقصى المستمرة، بالتزامن مع ذلك كان التفريط بالدم الفلسطيني حينما فتحت النار من قبل عناصر سلطة أوسلو على المصلين في مسجد فلسطين بغزة واستشهد وأصيب العشرات.

وبعد أن تأكدت أمريكا راعي الإرهاب وتصفية القضية الفلسطينية من إقصاء الثورة من المنظمة عززت ذلك بقبضة أمنية من خلال تقوية الأجهزة الأمنية التي مهمتها التنسيق الأمني وتجاهلت أجهزة الشرطة والدفاع المدني والبحث الجنائي وكل ما يهم المواطن ميدانيا وحياتيا.

انطلقت السلطة في مشروع التحرير الذي قالوا إنه ضمن اتفاقية أوسلو المؤقتة والمرحلية التمهيدية للدخول للحل النهائي، صدم الجمهور الفلسطيني بهشاشة الاتفاقية التي هي أصلا مهينة للفلسطينيين وحقوقهم بل وصدم من تعامل من قام على السلطة في مشاكل الحياة اليومية فازداد الضغط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفساد والتستر وراء القرار المستقل وسلخ الشعب الفلسطيني عن محيطه بحجة أن لديه ممثل رسمي وغيرها من الجوانب التي أرادت أمريكا أن تعزز أمن "إسرائيل" فيها من خلال جهود فلسطينية بحتة بعيدا عن الإرهاق الأمني الذي لحق بالاحتلال.

وبطبيعته صفع الشعب الفلسطيني تلك المعادلة وعزز مقاومته وانقلب السحر على الساحر، فما كان من طباخ اوسلو إلا أن يغير من استراتيجية التفريط، فتخلص من قيادة فتح المركزية والعسكرية بالاغتيال والاعتقال وتعزيز المشهد الأمني فقط للسلطة، فبدأت مرحلة جديدة عام ٢٠٠٥ وكانت مريرة جدا وهدرا للوقت وزرعا للفتنة وتنفيذا لأجندة أمريكا مباشرة في المنطقة بتوصية كوندوليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا حينما قالت "الفوضى الخلاقة هي مسارنا".

الشلل الإجباري مارسته أمريكا وقوات الاحتلال بمنع نقل الملفات إلى محكمة الجنايات بتجميد نشاط السفارات ومنع التعريف بالمشهد في فلسطين بفضل القدس ماديا وميدانيا عن الضفة وغزة، وبعزل غزة عن الضفة منذ عام ١٩٩٤ وغيرها من الإجراءات التي عززوها حتى تنجح مسار التفريط.

الاحتلال أدرك كليا أن الفتنة وهدر الجهود والإقصاء وغيرها من هذه المشاهد فشلت في هدفه الرئيسي، فكان هدفه إلهاء الناس وجلب الأمن للاحتلال، فبات الصاروخ في حيفا والقنبلة في القدس وغزة محررة وجنين ونابلس تنهض والحاضنة الشعبية تكبر والضيف يهتف باسمه الملايين بعد أن طاردته السلطة والاحتلال واعتقل رجاله على مدار ٣٠ عاما من أوسلو التي أرادها الاحتلال تفريطا فصفعه الشعب وكانت تحفيزا.